الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

التعبيرية.. والكتاب!

 

حسن حميد

بلى، إنها لمسرة عالية، حين يفرح القلب ويطرب وهو يرى هذه المشهدية المعرفية في معرض الكتاب، في مكتبة الأسد، وقد تبارت دور النشر في تقديم تشوفات الكتّاب والأدباء وأهل الرأي وأحلامهم، وقد عاشوا السنوات العصيبة التي مرّت بها الحياة العربية خلال السنوات الأخيرة، ولاسيما سنوات الفقد والمحنة والدم من جهة، وسنوات البطولة والمواجهة والفداء والثبات من جهة أخرى.

وإنها لمسرة عالية حقّاً أن يبدي أهل القلم حرصهم الشديد على تدوين ما حدث في الجغرافية والزمن العربيين، وما حدث في العقل العربي، وكلها أحداث أكّدت أن حالاً من اليأس والإحباط وغياب الأمل غوّرت داخل الذات العربية لأن الأحلام لم تتجسد وقائع لأن أعداء الأمة عملوا طويلاً على تصنيع موضوعات لا أهمية لها ولا قيمة، وروّجوا لها بوصفها عين الحقيقة، مثلما عملوا على تصنيع كائنات لم تعرف قيمة تراب البلاد، ولا تضحيات الأجداد، ولا معاني الوطنية، ولم تأخذ بعبقرية المكان والعقيدة والأحلام، فخُلعت عليها الصفات والألقاب، ودُفعت من أجل أن تحوز على كل ثناء ومديح، وقُدّمت في الصالات المضاءة وعبر صخب إعلامي ضاج، وهي بلا قيمة بعدما صارت يداً معواناً للعدو، وكتاباتها بلا قيمة أيضاً بعدما تخففت من كل رباط وطني وروح علوق بأحلام الناس.

إن المكتوب الذي حبّرته العقول الكاتبة الذي يتحدث عن الحرب سيرةً، ووقائع، وأحداثاً، وأخباراً في غير جغرافية عربية وبالشواهد، وتفاصيل ما جرى، وما آلت إليه الأمور في بعض البلاد العربية ليؤكد من خلال المجريات، والمتشابهات، والأيدي الدافعة، والأخرى القابضة، والأفكار التي روّج لها، والأحلام التي بُشر بها، أن العدو واحد، وهدفه واحد يتلخص في إشاعة جو من الأمان والطمأنينة لعدو يغتصب القدس، والجولان، وبعض الأراضي العربية من هذا البلد العربي أو ذاك، ولعدو يهدد كل عربي في حلمه وأمنياته، ومستقبل أولاده!! وإلا فنحن، من ننادي بعروبة فلسطين وحقِّ أهلها فيها، أعداءٌ للسلام! إن الكتب الصادرة خلال العقد الأخير من حياة العرب الراهنة هي كتب، في معظمها، تواقف الحال العربية وما آلت إليه من شرذمة، وانقسام، وتفعيل للمال العربي والأخذ بسطوته كي يدك كل ما هو وطني، وإنساني، ونبيل.. انقياداً لهيمنة القوى الغربية وذلك في مجال السياسة، والاقتصاد، والثقافة، والاجتماع!

كتب كثيرة في المعرض مكتوبة بأقلام عربية تتحدث عن الأدوار الفاسدة والمفسدة التي لعبها المال العربي من أجل تدجين كل شيء، حتى الأنفاس، كيما يرضى اليانكي الأمريكي الذي ما عاد راغباً بتسوية مع الماضي، ولا مع الراهن، وإنما يريد التسوية مع المستقبل من دون أن يلحظ بعين الاعتبار ما تريده الأجيال القادمة، ومن دون أن يعرف حقها في أن تقرر ما تريد! ولعل الموضوعة الأكثر جلواً هي موضوعة الحرب طوال السنوات الماضيات التي ما كان لها من هدف أولوي سوى التدمير لكل شيء، من البيت والمدرسة والمشفى إلى الكتاب والأحلام.. من أجل غاية ثنائية هي خلق جغرافية جديدة، وذهنية جديدة، جغرافية تتخلص من مفهوم السيادة، وذهنية تمحو من ذاكرتها أي صورة شائهة للعدو الذي دمر وقتل وخرّب وأدمى كل نبيل!

إن هذه التعبيرية المنشورة كتباً لهي الأمل، والنور، والحلم الذي يقبض عليه الوطنيون الذين جعلوا من الكتابة رسالةً، ومسارَ حياة على الرغم من كل الأذيات التي واجهتهم، والتهديدات التي أحاطت بهم، والمخاوف التي تقحّمتهم! إن هذه التعبيرية، وبحمولتها الوطنية، لهي المرآة التي تاقت النفوس والأحلام لمواقفتها، وقد غمرت شلالاتُ الضوء النفوسَ وبلّلتها بالرضا العميم على الرغم من التضحيات الجسام.

Hasanhamid55@yahoo.com