ثقافةصحيفة البعث

توقيع “حُلم” للشاعرة “رماح جوبان” في معرض الكتاب

لم تقتصر النسخة الثلاثون من معرض الكتاب في دمشق، هذا العام على عرض دور لنشر للكتب التي تروج لها ولفكرها، سواء كانت ذات منهج فكري وصاحبة رسالة، أم كانت أيضا دور نشر تعمل وفق عقلية ربحية، وهذا ليس عيبا شريطة أن يكون المنتج جيدا، حيث رافق هذه النسخة من المعرض الدمشقي العريق، العديد من الفعاليات الثقافية على هامشه، من ضمنها حفلات -بمعناها الرمزي- توقيع للعديد من الكتب، سواء تلك التي يكون لأصحابها إصدارات سابقة، من جيل آخر مختلف فكريا وثقافيا وحتى في لغة الخطاب، أو كتب لجيل جديد، أنضجته الحرب، ينشر فكره وما يريد قوله للمرة الأولى، عندما الروح تدفع ما بداخلها مرة واحدة، لتمتحن أنامل الإبداع عندها؛ من هذه الفعاليات جاء حفل توقيع الكتاب الأول للشاعرة “رماح جوبان” والذي يحمل اسما بسيطا وله ما له من ايحاءات متعددة الأوجه الشعرية”حُلم”؛ التوقيع الذي تُشرف عليه الدار الناشرة، “دلمون الجديدة” تحدثت إلينا مديرتها المهندسة “عفراء هدبا” عن كون الدار التي اطلقت مسابقة الشعر للشباب، وحققت أماني العديد من الشبان والكتاب بإصدارها لأعمالهم الأولى، هي غير معنية بالربح المادي بقدر ما لديها مشروعها التنويري، تقول هدبا: (الدار ليست ذات هدف ربحي، بل هي دار نشر، تعمل للمساهمة في رفع ولو حمل بسيط عن كتف البلد، بتحصين الثقافة المحلية حسب قدرتنا، فكان خيار دار دلمون أن يكون حضور الأسماء الشابة صاحبة التجربة الأولى، طاغيا على الأسماء ذات الثقل الأدبي في المشهد العام، أو فلنقل متوازنا، فلكل تجربته ولكل نظرته)، وهذا ما تحكيه الشاعرة “رماح”، في البساطة التي تم التعامل بها ووضوح الرؤية فيها، وذلك ليخرج إلى الضوء كتابها الشعري الأول “حُلم”،المخالف للمزاج العام السوري، فالكتاب صاحب القصائد النبطية الصعبة المكوث على الورق، بقدر ما هي بحاجة إلى الإلقاء محققة معادلة “الغناء مقود الشعر”، خصوصا في الأسلوب الذي يعرفه الجمهور في العديد من الأغاني التي تسمى سهوا “خليجية” لأنها ببساطة شعر نبطي، الغنائية روحه والصورة الشعرية دمه الجاري في أوردة القصيدة، وللتوضيح الشعر النبطي يراعي الأنماط التقليدية للشعر العربي من حيث الشكل العمودي والالتزام بقافية واحدة على طول القصيدة، كما يستخدم ذات الأوزان العروضية المستخدمة في الشعر الفصيح أو أوزان أخرى مشتقة منها، وإن كان أصحاب هذا الشعر يعرفون تلك الأوزان بأسماء أخرى، كما تضيف الكثير من القصائد النبطية المتأخرة قيداً إضافياً وهو الالتزام بقافية واحدة للشطر الأول من كل بيت وليس الشطر الثاني فقط كما في الشعر الفصيح.
وعند الاستفسار عن سبب هذا الخيار الجريء والمغامر قالت “رماح”: (أولا أنا أكتب الشعر النبطي؛ والشعر عموما حالة روحانية تفرض على الشاعر ما يجب أن يبدعه، الكلام فيه ينبع من إحساس عميق،محملا بالأفكار والقيم التي أسعى كامرأة سورية، للمساهمة في نشرها من خلال الفن عامة برسائله الخالدة”، وتضيف رماح: “النبطي شعر سلس ملحن بطبيعته وهو الشعر الذي يخلق من حبر الشاعر وهو مغنى ومزركش، كما أنه ليس غريبا عن بيئتنا، عمره أكثر من ألف عام، قاله الأمير الفارس “أبو زيد الهلالي”، وبعده بعدة قرون تغنى فيه الشاعر العراقي “صفي الدين الحلي”، كما تكلم عنه ووصفه ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، ونذكر منذ سنوات خسارتنا لشاعر كبير من أعلام الشعر النبطي وهو الشاعر “عمر الفرا”.
وفي سؤال عن المغامرة التي تقوم فيها دار نشر، بنشر أعمال شعرية لها مزاجها الخاص، والخاص جدا، أجابت “هدبا”: (إن لم نسع لارتياد الآفاق التي لم يرتدها الآخرون، والخوض في المجهول والغريب الذي ربما لا يلفت انتباهنا بداية، لكنه يصبح فيما بعد قيمة مضافة لنتاج الدار، التي تشارك هذا العام بأكثر من 32 عنوانا جديدا، منها الثقافية والشعرية والفكرية والسياسية، وسيكون للعديد من نتاجات الدار العديد من الفعاليات في المحافظات السورية الأخرى، فهي بحاجة لضخ فكري متزن كبير، نظرا إلى اللوثة التي أصابت بعض تلك المناطق التي ابتليت بالظلامية والظلاميين؛ كل كتاب لشاعر أو رواية أو قصة أو أي جنس أدبي وفكري وفني وفلسفي وعلمي آخر، هو رصاصة في نعش هذا الفكر الهدّام القادم إلينا من كل الأصقاع).
حفل توقيع ديوان “حُلم” الذي حضره العديد من الشخصيات المؤثرة في المشهد الثقافي السوري، لم يكن بداية إلا حلما في خاطر الشاعرة، التي حققت حلمها لتحكي عنه بقولها: (حلم، هو الخطوة الأولى على طريق طويل وشاق، لكنه ممتع وهذه هي جماليات الفنون عموما، خصوصا الشعر؛ أنه إلى جانب الفائدة التي يقدمها بما يحمله من الموضوعات والأفكار التي يطرحها، هو أيضا متعة حسية عالية الوجد)، وتضيف رماح: (عندما بدأت بكتابة الشعر النبطي، استغرب الأهل والأصدقاء، أن تقوم امرأة شامية بكتابة قصائد، فيها ما فيها من الثقل اللفظي والفكري، لكن ذلك سرعان ما تغير إلى التشجيع والحث على مزيد من الإبداع، ومن أولئك الملهمين، ابنتي كاميليا التي تحفظ قصائد الديوان عن ظهر قلب، وأتمنى لهذا النوع من الشعر، أن يكون له حضوره في الساحة المحلية السورية، المعروفة بكونها حاضنة الفنون جميعا”.
“الدار تعمل نظرا لعدم وجود أي دعم مادي، إلا ما قل، بما نسميه الخطوات المدروسة، وذلك لإيجاد أرضية ثابتة نقف عليها، ونحن نعمل على تطوير أدواتنا وقدراتنا الفنية والفكرية والثقافية، بحيث نستطيع أن نقدم لمجتمعنا الذي تحمل ويلات هذه الحرب، بعض مما يساهم في بناء سوريتنا التي نحب ونريد، وطن لكل الشرفاء وحملة رايات العلم والمحبة والفن، وبودي أن أعلن من خلال منبركم الكريم، عن مسابقة القصة القصيرة التي تقيمها الدار، تحت عنوان الدار الأشمل، في البدء كانت الكلمة، وشروط التقديم متاحة للجميع الاطلاع عليها في صفحة الدار الإلكترونية”.
تمّام علي بركات