اقتصادصحيفة البعث

خطة تنسيقية لتجنب التشابكات بينهما.. خيارات الفصل أو الدمج بين “الجهاز المركزي” و”الهيئة المركزية” لا تزال قائمة

يبدو أن الحلول الموضوعة لمواجهة الإشكاليات التي تتعلق بازدواجية المهام والاختصاصات بين الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش هي حلول مؤقتة، تعتمد على تنفيذ خطة متفق عليها بين الجهتين بغية تجنب هذه الإشكاليات، وبحسب مراسيم إحداث كلتا الجهتين، فإن الازدواجية تكمن في قضايا التفتيش والتحقيق، ولعل الطروحات القائمة في هذا الجانب تتمثل في الفصل الفعلي والحقيقي بين مهام واختصاصات كلا الطرفين إما بالدمج وإما بالفصل بينهما؛ مما يسهم في تحقيق مصلحة التكامل والتعاون، ورفع الإنتاجية والجودة وسرعة الإنجاز.

فصل المهام
رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية محمد عبد الكريم برق أكد وجود خطة تنسيقية بين الطرفين لمواجهة تنفيذ بعض المهام المشتركة ولاسيما لجهة الأعمال التفتيشية والتحقيقية، مبيناً لـ”البعث” ضرورة إعادة هيكلة الجهاز بما يتوافق مع مرسوم إحداثه، وبالتالي فصل المهام والاختصاصات المشتركة مع الهيئة ليكون عمل الجهاز غير متداخل مع الهيئة لجهة الأعمال التفتيشية والتحقيقية، موضحاً أن الجهاز يعمل على تحقيق رقابة فعالة على أموال الدولة ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية سواء كانت الإدارية أم الاقتصادية لمهامها من الناحية المالية مع تدقيق وتفتيش حسابات الجهات العامة، مشيراً إلى أن الجهاز معني أيضاً بكشف حوادث الاختلاس وكافة المخالفات المالية والتحقيق فيها، بمعنى أن الجهاز المركزي يتحمل مسؤولية حماية الأموال العامة من الغش والفساد والاختلاس والإهمال.
على حين أن الهيئة تمارس رقابة عامة على الجهات الخاضعة لرقابتها في مختلف النواحي الإدارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والتعليمية والصحية والفنية، بالمقابل يمارس الجهاز وفقاً لقانونه أساساً الرقابة المالية على الجهات الخاضعة لرقابته، ومراقبة حسابات مختلف أجهزة الدولة لناحية الإيرادات والنفقات، وقبول تلك الحسابات وإبراء ذمة أعضاء مجالس الإدارة، وهي مسؤولية الجهاز وحده الذي يعمل كمدقق حسابات خارجي ولا يمكن حلّه أو دمجه بجهة أخرى، كما لا يمكن الاستغناء عن الأعمال التي يقدمها الجهاز المركزي في مجال اختصاصاته، مشيراً إلى صعوبة تطبيق رقابة الكفاية لاعتبارات تتعلق بعدم وجود معايير يجب أن تستند إليها، إلى جانب عدم وجود دقة في البيانات التي يتم اعتمادها لاستخلاص مؤشرات دقيقة وصحيحة. وبحسب برق فإن هذا النوع من الرقابة يتضمن التأكد من أن الأداء واستخدام الموارد المالية قد تم بأعلى درجة من الكفاية أي دون ضياع أو إسراف، وألا تتحقق الكفاية على حساب الجودة.

مسببات الدمج
عضو مجلس الشعب الدكتور محمد خير العكام أستاذ القانون العام بجامعة دمشق تبنى فكرة الدمج بين الجهاز والهيئة ولاسيما أن غالبية الأعمال الموكلة إلى الجهتين هي أعمال مشتركة في القضايا التفتيشية والتحقيقية، مشيراً إلى أنه لا توجد دولة في العالم لديها جهازان رقابيان يمارسان نفس المهام والاختصاصات، منوهاً إلى أن هذا الموضوع طرح في وقت سابق على جلسات مجلس الشعب، مبيناً أن الجهاز المركزي من أعرق الأجهزة الرقابية إذ يعود تأسيسه إلى عام 1920 مع الإشارة إلى أنه تم دمج ديوان المحاسبات مع مديرية التفتيش المالي في وزارة المالية في عام 1967 والتحق هذا الجهاز الناشئ بوزارة المالية، وأناط به التدقيق أو المراجعة أو التفتيش في القطاعين الاقتصادي أو الإداري، وفي العام 2003 صدر المرسوم رقم 64 متضمناً قانوناً جديداً لهذا الجهاز ألحق بموجبه برئيس مجلس الوزراء عوضاً عن وزير المالية.
وبحسب العكام فإن المشكلة تكمن في أن الجهاز وسع من مهمته السابقة في التفتيش والتحقيق من أجل كشف الانحرافات والاختلاسات التي يمكن أن تقع في بعض المؤسسات، معتبراً أن هذه هي المهمة الأساسية للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، الأمر الذي وسع من التداخل القائم في مهمة الجهاز والهيئة، فأصبح للجهاز الصلاحية في التحقيق والتفتيش، وللهيئة ذات الصلاحية، ونتج عنه في الواقع العملي أنه يمكن للجهاز والهيئة بحكم أنهما جهازان مرتبطان بمجلس الوزراء يمكن أن يحققا بذات الموضوع، فالجهاز وفق قانون إحداثه يودع هذا التحقيق لدى النيابة العامة، ويترك حرية التقدير بتحريك الدعوى العامة من عدمها، وغالباً ما تقوم النيابة بتحريك الدعوى. على حين الهيئة تلزم النيابة العامة على تحريك الدعوة العامة بصفتها مدعياً شخصياً باسم الدولة، ولكل من الجهاز والهيئة الحق باتخاذ الإجراءات التحفظية ضد المحقق معه، وبهذه الحالة يصبح لدى القضاء دعوتان منظورتان أمامه، والغريب أن المدعى عليه هو الذي عليه أن يثبت أن القضيتين هما قضية واحدة بالأساس، وهذا يدعونا إلى توحيد جهود هاتين المؤسستين في هذا الموضوع، وبالتالي يمكن اقتراح تشكيل هيئة تحل مكانهما تقوم بعملية الرقابة المالية، ومن الأفضل ألا ترتبط بأية مؤسسة أو سلطة تنفيذية، والأفضل ارتباطها بشكل مباشر بمؤسسة الرئاسة كما هو معمول في الدول الأخرى.

تخوف
فيما أبدى بعض مفتشي الجهاز تخوفهم من سحب صلاحية التفتيش والتحقيق من الجهاز الأمر الذي سيؤدي بحسب رأيهم إلى إنهاء دور أهم وأعرق جهة رقابية مختصة بالرقابة المالية في مكافحة الفساد وحماية المال وحرمان الدولة من جهودها في هذا المجال، ولاسيما أن سحب هذه الصلاحيات سيكون سابقة على مستوى الأجهزة الرقابية في العالم، وتحويل دور الجهاز إلى مدون للمخالفات المالية ينتهي دوره في إبلاغ الملاحظات دون أي سلطة أو صلاحية لإلزام الجهات باستدراكها وعدم القدرة على المساءلة أو المحاسبة، مشيرين إلى أن عملية مكافحة الفساد عملية متكاملة بدءاً من التدقيق وانتهاء بالتحقيق وتحديد المسؤوليات، وأن إلغاء أي جزء منها سيجعل العملية منقوصة وغير ذات جدوى، ولو تم إحالتها إلى جهة أخرى فستكون تلك الجهة ليست على دراية كاملة بالموضوع، كما سيؤدي إلى تعطيل الخبرات التي تكونت لدى الجهاز في مجال التحقيق.
محمد زكريا
mohamdzkrea11@yahoo.com