ثقافةصحيفة البعث

حكايا الحرب والإنسان في معرض الكتاب

 

ضمن فعاليات معرض الكتاب أقيمت أمسية قصصية بمشاركة الأدباء د. حسن حميد وحسن م يوسف ومالك صقور، والتي لامست بحزن شفيف آثار الحرب الإرهابية، وفي الوقت ذاته اقتحمت الخطوط الاجتماعية لتعرّي العلاقات المتداخلة بين السياسة والفساد واستغلال بعض أصحاب النفوذ مناصبهم، لتنسحب في مواضع إلى تشريح السلوكيات التربوية والنفسية، والأمر اللافت هو الأساليب الفنية التي تدخل ضمن خاصية السرد القصصي المختلفة التي اعتمدها القاصون وفق رؤية كل قاص على حدة.

أم الشهداء
قرأ الأديب مالك صقور قصته”أبانا الذي في السموات” ليضعنا في قلب الحدث مباشرة في مطار حميميم لاستقبال جثامين الشهداء، ولتبدأ فنية القصّ المتسمة بتعدد الأصوات المحيطة بالمحور الأساسي وصف أم الشهداء برمزية إلى الحرب الإرهابية بكل تبعاتها وانعكاساتها، المتماوجة بين الحدث الواقعي والمنولوج ووصف المشهد الخلفي للبطل، ثم يعود إلى متابعة الحدث في رسم شخصية جارته أم الشهداء التي استُشهد أولادها الثلاثة الآن، واستشهد والدها في حرب حزيران وأخوها في أحداث 1982، وزوجها في تفجير القزاز فقدرها أن تبقى حبيسة اللون الأسود”والله قلبي معك يا جارتنا”، ليقحم في القصة شخصية الرجل الغريب الذي كان صديقه بالجامعة ليحلل من خلال اقتحام شخصيته الأوضاع الاجتماعية والسياسية ويظهر استغلاله المكان الذي وصل إليه لتحقيق مصالحه الخاصة، إذ تفرغ للنضال مع الرفاق وحصل على شهادة الدكتوراه، وصار ينتقل من موقع إلى آخر، لكن الأهم هو تلك المقاربة التي أوردها القاص ضمن مجريات القصة فزوجة البطل تحدثت عن أولادها الذين يخدمون في الجيش العربي السوري، بينما أحد أولاده يتابع اختصاصه في الخارج، والآخر يعمل هناك، ليعود إلى استقبال الشهداء والفرقة النحاسية تعزف لحن الشهيد ووصف أم الشهداء لينهي القصة بالعودة إلى نداء أم الشهداء: كلنا فداء سورية.

سينمائية القصة
واقترب القاص حسن م يوسف من عوالم الإنسان الذاتية ليغوص من خلالها في حيثيات المجتمع التربوية والنفسية والأخلاقية وفي الدور السلبي الذي تقوم به المرأة أحياناً بدافع الغيرة المرضية، لتنسحب هذه الأحداث وتتسلل بجرأة إلى شخصية الوزير ومدير مكتبه برمزية إلى كل من استغل منصبه وانجرف بتيار الفساد، إلا أن جمالية الفنية القصصية هي التي شدّت الحاضرين وجعلتهم يتفاعلون مع الحوارية الثنائية المبدعة التي تدور على الورق في غرفة لا تخضع للشروط الصحية في مهجع الأنف والأذن والحنجرة في أحد المشافي العامة مكان الحدث في قصته”استئصال حنجرة” والأجمل هو التقنية السينمائية التي رسم بها المشهد القصصي وتتالي مجريات القصة فأكسبها بعداً سينمائياً يوحي لنا بفيلم مقروء، فبدأ من مشهد النهاية في وصف ملامح البطل الممدد على السرير المتجه إلى غرفة العمليات مما أربك المتلقي وجعله في حيرة من أمره، لتتبدد تلك الحيرة رويداً رويداً حينما يمضي مع الحوارية القصصية ويعود مشهد البداية في نهاية المشهد القصصي.

حوارية كتابية
بدأ السرد القصصي بتساؤل البطل الممدد على السرير من هذا الرجل؟كم يشبه الكاتب الشهير عبد الحليم سليم، أيعقل أن يكون هو هذا الرجل؟ لكنه كومة عظم” ليبقى بأجواء المشفى الذي تفوح من زواياه رائحة قذرة، فيعود إلى وصف شخصية الكاتب الذي جمع ثروة من عمله في جامعة بكين إضافة إلى دخله من رواياته، لتكشف الحواريات الكتابية بين المصابين بسرطان الحنجرة بأنه الكاتب نفسه الذي أرسل كل ثروته إلى أولاده إلا أن وساوس زوجته زرعت في نفوسهم الخوف من أن يتزوج امرأة أخرى، فتنكروا له، في حين كشفت الحواريات شخصية البطل الثاني مدير مكتب الوزير الذي فاز في بداية حياته بجائزة القصة القصيرة إلا أن الخوف من الكتابة جعله يتوقف” أن تكون قارئاً جيداً أفضل من أن تكون كاتباً متوسطاً” ليصل القاص إلى المقاربة بين السياسي والمقامر بمصيرهما المجهول، فالحياة جعلته مقامراً محترفاً ليدخل فيما بعد بلعبة السياسة ولتتوسع من حوله الطاولة الخضراء”ورق اللعب الحقيقي في السياسة والاقتصاد هو المعلومات”، ولتكشف الحواريات الكتابية أيضاً عن مصيره فحينما وقع الوزير وتمت مصادرة أملاكه أصبح أيضاً مدير مكتبه بالسجن بعد أن فقد كل أمواله، ليصبح مقامراً بالسجن وقبل الإفراج عنه مداهمة التفتيش لم تترك له شيئاً ليجد نفسه متسولاً غير قادر على الانتحار”الانتحار يتطلب شجاعة لا أملكها”.

التماهي بالحلم
وعاد بنا د. حسن حميد عبْر صفحات قصته”هنومة” إلى توحد العشق الخاص بالعشق الوطني لتتوحد حبيبته هنومة مع عشق المخيم الذي دمّره الإرهابيون، لتمضي الأحداث مع تدفق الصور الشعرية والتعابير الجميلة، وبخاصية التماهي بين الحلم والواقع، واعتماده بالسرد القصصي على صوت السارد وضمير المتكلم، التقنية الفنية الأساسية هي المقارنة في وصف الحدث بين الماضي والحاضر، بتساؤلات تدل على تهاوي الأسطح وتداخل البيوت، لتدخل شخصية العجوز شنوة تعلن النهاية ويضعنا إزاء الحدث مباشرة.
ملده شويكاني