تحقيقاتصحيفة البعث

إدارة الأمن الجنائي.. حضور يحقق العدالة.. وأداء يعزز الأمن والأمان العقيد معروف: وعي المواطن، والتزامه بالقانون، وتعاونه مع الجهات المعنية يساهم في الحد من الجرائم، وحماية حقوقه

لم يتوقع علاء أن ورقة التأجيل عن الخدمة التي حصل عليها، ودفع عشرات الآلاف من الليرات السورية لهذه الغاية، ستكون سبباً بإدانته بالتزوير، وملاحقته قضائياً، ودخوله السجن، وللأسف فبعد فوات الأوان أدرك أنه وقع ضحية لعصابة من المزورين، وقد باعوه ورقة لا قيمة لها، وليس لها أي أساس قانوني، ويتشارك مع علاء المصير ذاته الآلاف من الشباب الذين كانوا ضحايا لعمليات التزوير والنصب والاحتيال، وهم الآن يحاسبون على جريمة لم يرتكبوها، أو يشاركوا بها!.
طبعاً كنا جميعاً خلال الفترة الماضية شهوداً على الكثير من التجاوزات والمخالفات التي سببت حالة من القلق العام، خاصة لجهة انعدام المتابعة والمحاسبة، وتعدد طرق وأساليب الاحتيال والابتزاز التي اصطادت رغبات الناس، إلى جانب تفشي حالات الغش في الأسواق لدرجة التعميم على كافة المنتجات الموجودة، وبشكل بات يشكّل عبئاً إضافياً على المواطن، سواء من الناحية الصحية، أو المادية، وما زاد من حالة التشاؤم استسلام الناس للفوضى، ولقناعات ثابتة بغياب الجهات الرقابية بكل أنواعها، ولكن لو دققنا قليلاً في عمل بعضها لوجدنا تلك القناعة تتلاشى عند زيارة إدارة الأمن الجنائي، والاطلاع على الملفات التي تتابع من قبل فروعها، وخاصة فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد الذي كان مقنعاً بأدائه ومتابعته للعديد من القضايا التي تهم الشارع.
إشارات الاستفهام الكثيرة التي كنا نعمل على ترتيبها خلال توجهنا إلى إدارة الأمن الجنائي للقاء العقيد وسيم معروف، رئيس فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد، باتت بحكم التلاشي بعد أن قدم لنا إجابات واضحة ومدعمة بالأدلة، والشواهد، والأرقام، والتي يمكن إدراجها في خانة الحقائق، ورغم اعتراف معروف بحجم العمل الكبير، نظراً لظروف الأزمة، وتعدد المخالفات، وارتفاع نسبة الجريمة، والأعمال غير القانونية، إلا أنه أكد على أن الأمور تحت السيطرة، حيث تتلاقى جهود إدارة الأمن الجنائي مع غيرها من الجهات الرقابية لحماية المواطن، والحفاظ على مصالحه، وملاحقة المخالفين ومحاسبتهم وفق الأنظمة والقوانين.

من الحياة
قصص كثيرة يتم تناقلها حول أشخاص يمتلكون مفاتيح الحل للكثير من المشكلات التي باتت أكثر حضوراً في حياة الناس كالإعفاء من الخدمة، والتأجيل، ومنح أذونات السفر، عدا عن عشرات المخالفات التي تتعدد أنواعها، سواء في الغش، أو التزوير، وغيرها من التجاوزات التي استثمرت الظروف كبوابات للاحتيال، والعبور نحو الجيوب، واستغلالها بما يعرّض أصحابها للمساءلة القانونية كونها قائمة أساساً على مخالفة القانون.
العقيد معروف ركّز في كلامه على الجانب التوعوي لتوجيه الناس نحو اتباع القانون عند إنجاز معاملاتهم، وعدم اللجوء إلى أية بوابة، أو شخص يدّعي امتلاكه القدرة على تلبية رغباتهم وطلباتهم الخارجة عن المألوف، والتي تؤدي بهم إلى المحاسبة القضائية.
ولم يتردد العقيد معروف في اطلاعنا على أهم الملفات التي شغلت الرأي العام، وتابعها فرع التحقيق والتزوير، وتمكن من تقديم الكثير من المتورطين فيها إلى القضاء، فتحدث عن قضية اختلاس الأموال العامة من خلال تزوير قسائم ومعاشات متقاعدين عسكريين، وورثتهم، وذوي الشهداء، وسحب رواتب بأسماء وهمية منسوبة لمحافظتي الرقة، وادلب، وذلك من المصارف التجارية السورية بحماة، الفرع 124، والمصرف الزراعي التعاوني بحماة، حيث أثبتت التحقيقات تورط شبكة من الموظفين، وغيرهم بها، وألقي القبض على “16 موقوفاً” لاختلاس الأموال العامة.
وسرد العقيد معروف تفاصيل ما حدث من قبل موظف بفرع المؤسسة العامة للتأمين والمعاش في محافظة الرقة، والذي كانت طبيعة عمله تقتضي إرسال دفاتر قسائم معاشات المتقاعدين العسكريين، وورثتهم، وذلك من الإدارة العامة للمؤسسة العامة للتأمين والمعاشات بدمشق، ويتضمن كل دفتر 12 قسيمة موزعة على عدد من أشهر السنة، ويتضمن رقم تسلسل، واسم المستفيد، حيث يتم تسليم الدفتر عند مراجعة صاحب العلاقة بعد وضع خاتم المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات، فرع حماة، على القسائم ليتمكن المستفيد من صرفها لدى المصارف المعتمدة بحماة، نظراً لتعذر صرفها من مصارف الرقة، حيث بدأ بتزوير القسائم منذ عام 2011، مستفيداً من عدم إمكانية التأكد من صحة الأسماء التي يتم الصرف لها لبعد المسافة، حيث تضمنت كل قسيمة مزورة خاتم المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات، فرع حماة، مطبوعاً بواسطة سكنر وكمبيوتر، وبموجب هذه القسيمة المزورة بخاتم فرع المؤسسة بحماة يمكن توجيه هذه القسيمة إلى أي مصرف بمدينة حماة، وقبض قيمتها، ولكن مع وجوب حضور صاحب العلاقة إلى المصرف من أجل تسليمه قيمة القسيمة، ولجأ هذا الموظف إلى البحث عن شركاء له يمكن من خلالهم قبض قيمة القسائم، حيث اتفق مع أ.ا، ور.ا، وف.ا، ول .ا، و ا.ا من أجل قبض قيمة هذه القسائم المزورة من المصارف مقابل حصولهم على نسبة مئوية من قيمتها، ووافقوا على الفكرة، وقام فعلاً بتزوير هذه القسائم بالاشتراك مع خ.أ، بعد اختيار أرقام القسائم من دفاتر صحيحة، وذلك في منزل مستأجر في مدينة حماة، وكانت النسبة الكبرى من القسائم المزورة في المصرف التعاوني الزراعي بحماة، وبالتعاون مع بعض ضعاف النفوس من الموظفين في فرع الرقة لمؤسسة التأمين والمعاشات، كما تم تزوير دفاتر قسائم خاصة بالورثة، وقبض قيمتها من المصرف الصناعي بدير الزور، حيث تم اختلاس ملايين الليرات، منها 538 مليوناً من المصرف الزراعي بحماة.

تزوير وثائق التأجيل
القضية الثانية التي شغلت الناس، واستعرضها معروف في حديثه، تلك التي تتعلق بأشخاص امتهنوا تزوير الأوراق الرسمية، خاصة تلك المتعلقة بوزارة الدفاع من قرارات شطب أسماء المكلّفين بالخدمة الاحتياطية، وأوامر نقل عساكر، وإعفاءات من الخدمة الاحتياطية، يقوم هؤلاء الأشخاص بالنصب والاحتيال على المواطنين من خلال استجرار مبالغ مالية منهم مقابل الحصول لهم على تلك الأوراق على أنها صحيحة، وصادرة عن جهات رسمية، والأشخاص الذين يقومون بتلك الأعمال هم من المؤسسة العسكرية، ولهم اليد الطولى فيها.
العقيد معروف الذي تفاخر بثقة بأداء جميع كوادر الإدارة، وخاصة فرع التحقيق والتزوير، الذين يبذلون جهوداً كبيرة، وكانت لهم بصمات واضحة في درء الجرائم، وحماية المصلحة الوطنية، وحقوق الناس.
وقال معروف: بالمتابعة قامت دورياتنا بإلقاء القبض على المطلوب ع.ن، وكان بحوزته وفي موبايله حوالي عشرين صورة لقرارات وأوامر عسكرية، جميعها تحمل تواقيع وأختاماً منسوبة لوزير الدفاع، إضافة إلى تعاميم تتضمن شطب أسماء أشخاص عن أداء الخدمة الاحتياطية، وتحمل أختاماً وتواقيع منسوبة لرئيس شعبة التنظيم والإدارة بوزارة الدفاع، وقد أقرّ الموقوف بامتهانه تزوير أوراق رسمية، وخاصة الأوراق المتعلقة بأداء الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، وكان مصدر تلك الأوراق أ.ا الذي يقوم بكتابة وطباعة قرارات مزورة تقضي بالإعفاء والتسريح، حيث تم النصب على أكثر من 20 شخصاً لقاء مبالغ تتراوح ما بين 500 ألف و700 ألف.
كما ألقي القبض على مجموعة أخرى تقوم بتزوير أختام، واستخدامها بتزوير تأجيلات عن خدمة العلم، وموافقات سفر، ورخص زواج، حيث تم إلقاء القبض على ا.ا وبحوزته ورقتان فارغتان عبارة عن موافقات سفر منسوبة لمديرية التجنيد العامة، ودائرة تجنيد الوسيطة، وعليها خاتمان منسوبان للشعبة المذكورة، وورقة بيان وضع فارغة منسوبة لمديرية التجنيد العامة، دائرة تجنيد الوسيطة.
وفي موضوع تزوير الوثائق كانت هناك أيضاً وقفة مع تزوير الوكالات الشرعية، ووكالات السيارات، والبطاقات الشخصية، وإخراجات القيد، ووثائق الملكيات العقارية، وشهادات ومصدقات جامعية، وأوراق تثبيت زواج، وجوازات سفر، وشهادات سياقة.
وعاد معروف للتأكيد على أهمية وعي المواطن، ومدى التزامه بالقانون، وتعاونه مع الجهات المعنية في الحد من الجرائم، والإبلاغ عن الحالات والأشخاص الذين يشتبه بهم.

تزييف العملة
ومن القضايا التي كانت ضمن حديثنا مع العقيد معروف، قضية تزوير العملة التي تهدد الاقتصاد الوطني، وتحظى باهتمام ومتابعة مباشرة من السيد وزير الداخلية ككل القضايا والملفات، وطرح معروف موضوع تزييف العملة السورية أولاً لما له من تداعيات على الاقتصاد، ولكونها العملة الأساسية للتعامل في الحياة الاقتصادية، حيث تم إلقاء القبض على أكثر من مجموعة تروّج العملة الزائفة، وتضعها في التداول، ومن فئات مختلفة، ومنهم م.ر الذي أقدم على تزييف العملة السورية بواسطة طابعة، وترويجها في الأسواق.
وفيما يخص تزييف العملات الصعبة كالدولار، وضع العقيد معروف بين أيدينا موضوع تهريب مبالغ مالية مزيفة من الدولارات إلى دول أخرى من قبل شبكة مزورين، منهم ع.ع، وع.س، وهم من جنسيات غير سورية يعملون بتجارة وترويج العملة الأجنبية، وتهريبها خارج القطر.

الغش في الأسواق
أعلمنا العقيد معروف أن فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد تابع أيضاً الكثير من القضايا التي تتعلق بالغش المنتشر في الأسواق، وتزوير العديد من العلامات والماركات التجارية بطرق مختلفة، وذات تداعيات اقتصادية على الاقتصاد الوطني، وسمعة المنتج المحلي، وعلى المواطن مادياً وصحياً، ومن الملفات التي تمت متابعتها، حيث تم إلقاء القبض على المتورطين بقضية تزوير مادة مزيل الشعر من ماركة ميم، إذ قام أحد عناصر هذه المجموعة بصناعة عبوات بلاستيكية خاصة بالمادة، وبالاشتراك مع صاحب مطبعة تمت طباعة “كراتين” مزورة، وقام آخرون بتقليد المنتج في ورشات منزلية، وبيعه في الأسواق على أنه منتج أصلي!.

ما يدعو للقلق
رغم الحديث عن تعدد أشكال وأساليب الجريمة وانتشارها بشكل مريب ومقلق في مجتمعنا، إلا أن ما يدعو للقلق أكثر هو تماهي رغبات الناس مع الجريمة، وانصياعهم الإرادي للمخالفة، والقفز فوق القانون مهما كان الثمن، حتى لو كان ذلك ضد المجتمع، والمصلحة الوطنية، ولولا وجود جهات فاعلة على ساحة العمل، ومكافحة الجريمة، لكانت الأوضاع أسوأ مما هي عليه الآن بكثير، والجميع يدرك هذه الحقيقة، سواء من المحيط الاجتماعي القريب، أو في الشارع السوري بكامله، حيث بات هناك استعداد لارتكاب أية مخالفة، خاصة مع غياب العدالة، ووجود أشخاص فوق القانون، ويحصلون على امتيازات دون غيرهم، وبشكل يؤثر على واجبات المواطنة ومسؤولياتها التي أضحت في حدودها الدنيا، وهذا ما يستدعي نشر الوعي، والتعاون مع الجهات المعنية لتحقيق المصلحة العامة، وإصلاح المجتمع، والحد من الجريمة، ولا شك في أن ما تقوم به إدارة الأمن الجنائي هو بكل المقاييس والمعايير عمل وطني يستحق التقدير والاحترام نظراً لحالة الأمن والأمان التي يكرّسها في حياة المجتمع.

بشير فرزان