الصفحة الاولىصحيفة البعث

عقوبات بنكهة الدولة العميقة

 

اعتاد العالم على تغيير الرئيس الشعبوي مواقفه بين ليلة وضحاها، وعلى ردود أفعاله المفاجئة، وحتى على “جنون عظمته”، لكن الشيء الوحيد غير المفهوم في سلوك الرئيس ترامب هو القرارات السريعة التي يتخذها دون حساب للعواقب، إلا أن التصعيد الأخير مع موسكو، أي العقوبات الأمريكية على روسيا، بسبب قضية “سكريبال”، والتي هي بلا شك ليست أولوية لدى الإدارة الأمريكية، تتناقض مع نتائج قمة هلسنكي.
لعل حديث الإدارة الأمريكية عن حادث تسميم العميل الروسي المزدوج في الأراضي البريطانية، باعتباره السبب المباشر للعقوبات الأمريكية الجديدة على موسكو، كان ملفتاً للانتباه، خاصة أن الموقف الأمريكي من الأزمة منذ بدايتها كان باهتاً، وهو ما يثير الشكوك حول توقيت الإجراءات الأمريكية أو طبيعة الأهداف وراءها.
يبدو أن التداعيات الكبيرة لقمة هلسنكي، التي واجه الرئيس ترامب على إثرها اتهامات بالعمالة لصالح موسكو، كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء الإجراءات الأمريكية الأخيرة تجاه روسيا، حيث أصبحت الإدارة الأمريكية مطالبة بإجراءات تبدو قوية ضد روسيا لدحض الاتهامات التي يحاول الديمقراطيون الترويج لها في الداخل الأمريكي، وذلك قبل أشهر قليلة من انطلاق انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
وحتى الحديث عن ارتباط العقوبات الأمريكية على روسيا بتسميم سكريبال في حد ذاته يأتي متعارضاً مع توجهات ترامب الذي يسعى لتعميق القواسم المشتركة بين روسيا وبين خصوم أمريكا التاريخيين، ربما على حساب الحلفاء، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في النهج الذي تبناه في التعامل مع العديد من الملفات الدولية والذي اعتبره “عتاولة” الدولة العميقة انقلاباً على الطريقة التي تعامل بها أسلافه لعقود طويلة من الزمن.
والحقيقة فإنه لا يمكن فك ألغاز هذا التناقض إلا من خلال العودة إلى شعار “أمريكا أولاً” الذي سبق وأن رفعه ترامب منذ دخوله الساحة السياسية في الولايات المتحدة، بمعنى أن قرار العقوبات هو إجراء دبلوماسي لإرضاء قادة حملة “ترامب الأحمق”.
علي اليوسف