ثقافةصحيفة البعث

اخضرار الشعر وتسامي الحلم

 

أمسية معمدة بروح الشعر أهداها الشاعر نزيه أبو عفش لجمهوره التواق للقائه، عبر الأمسية الشعرية التي أحياها في مكتبة الأسد بدمشق ضمن الفعاليات المرافقة لمعرض الكتاب الدولي الذي انتهى منذ أيام.. هكذا وكما هو دائما يحتار أبو عفش  كيف يرحب بضيوفه وكيف يبدأ أمسيته معهم، لكنه دائما أيضا لديه نشيده الخاص،  فهو شاعر تخضر كلماته أملا، وقصائد من زيزفون، وغيمة عطر، قصائد تتسامى في بهائها الحالم فتسحرنا وتودعنا في فردوس جميل يسكب في قلوبنا ربيعاً اخضر، ويغرق أرواحنا بالسلام، يعتمد الجملة الشعرية المكثفة في مناجاته لروحه، مجللة عبارته بغموض يحث المتلقي على سبر معانيه في محاورة للقصيدة يستوضح من خلالها مقاصد الشاعر التي لم يكشف عنها.. حافظ في قصائده على تميز صوته الشعري بنكهته الخاصة التي يختلف فيها عن مجايليه من الأصوات الشعرية الأخرى ببقائه ضمن بوتقة ذاته ومعاناته التي يحملها صوراً حياتية تنطبق في ملامحها وسماتها على ما يعتمل في دواخلنا من مشاعر وأحاسيس، ربما كان شاعرنا أقدر منا على إدراكها والبوح بها، لكن الزمن يجعل كل واحد فينا مشغولاً بتعبه بعيداً عن الذين كانوا يتقاسمون معه يوماً حياته بكل دقائقها وتفاصيلها، ولم يبق منها إلا الذكريات، فاتسمت لغته الشعرية بصور مدهشة وجديدة عبر مفردات وتراكيب سهلة وبسيطة استطاع من خلالها رسم لوحات شعرية لامست وجدان الحضور وحلقت بهم في فضاءات الشعر الجميل حيث قال: أنا الذي لا أعرفُ كيف يُصلّي الناس/ لكنني أعرفُ صلاةَ من يتألم/..‏

إذا كانت وظيفة الشعر تقوم على البحث والاكتشاف فإننا نراه لدى الشاعر أبو عفش  يشكل بوحاً من شغف امتلاك الحقيقة، التي يشكل منها ربيعاً من شعر، فماذا نحدّث عنه وعن تألق شعره وإبداعه حيث يحتضن لجمهوره ومحبيه  في كل أمسية ، لقاء من شوق حميم يلتقونه فيه، وفي هذه الأمسية تنوعت قصائده بين قصيدة التفعيلة  قصيدة النثر، فدعا عبر قصيدته “الحياة لابد منها” للحب والسلام والعيش بطمأنينة نتجاوز فيها سنوات الحرب التي فقدنا فيها الكثير : “سبعة أعوام مقيدة في جبانة الحرب.. والآن يحق للجميع أن يحلم.. نريد سلاما نريد أن تعود الحياة التي سبقتنا.. نريد استعادة صباح الخير”.

“في الحروب الوسخة الجديرة بأن يُتغنَّى بها/ يموتُ ناسٌ كثيرون/ وكائناتٌ كثيرة/ وأحلامٌ/ تموتُ أشجارٌ وبهائمٌ ومخلوقات/غامضة الشأن/ يموتُ عشَّاقٌ يتقاذفون قُبلَ الهواء/ على الشرفات”

مهما طال غياب نزيه أبو عفش نراه يعود ليراقص الشعر على شفتي قرائه وجمهوره، ويداعب اللغة ويصنع المفردات باقة من ورد، عبر أسلوبه في صياغة القصيدة، فيمتعنا بشعره، ويعلمنا كيف نقرأ وماذا نقرأ: من قصيدته “الباب”:

“الآن، وقد غابت شمسي، أتذكَّرُني!/ الآن، وقد مالتْ أغصاني وتنكَّرَ قلبي لي، أتذكَّرُني./الآن، وقد أُقفِل دوني بابُ الأبوابِ وغادَرَني أصحابي/أتفقَّدُني/فأراني أعْتَمْتُ وصرتُ وحيداً”.

سلوى عباس