اقتصادصحيفة البعث

الاستثمار في قانون الاستثمار

 

قبل قرابة ثلاثة عقود اقتضت متطلبات الواقع الاقتصادي، صدور قانون الاستثمار رقم /10/ لعام /1991/، ولكن مستجدات الاستثمار أسفرت عن طيه بموجب المرسوم التشريعي رقم /8/ لعام 2007 الذي تضمن مزايا وحوافز وضمانات استثمارية مشجعة، وواكبه – بنفس التاريخ – صدور المرسوم التشريعي رقم /9/ المتضمن إحداث هيئة الاستثمار السورية، وعقب سنوات قليلة اقتضت الوقائع الاقتصادية المستجدة، إعداد قانون استثمار جديد، وقد بدأ العمل على إعداده وإصداره منذ سنوات، ولكن الأحداث المتتالية أفرزت معطيات ومتطلبات فرضت تجديد متتابع في مضامين مشروع القانون ما أخر صدوره، إلى أن خلصت اللجنة الاقتصادية لإعداد مشروع أولي، بالتنسيق مع الوزارات المعنية واتحادات غرف التجارة والصناعة ومجالس رجال الأعمال، وقد ارتأت الحكومة أن تكون الجهات التالية /وزارة الاقتصاد ووزارة الدولة للاستثمار والمشاريع الحيوية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي وهيئة الاستثمار/، معنية بدراسة وإقرار مسودة المشروع وعرضه على النقاش.

ومنذ قرابة شهرين، كانت مسودة مشروع القانون المؤلف من تسعة فصول و/28/ مادة، بين يدي الهيئة العامة للاستثمار، وتم طرحه على موقع التشاركية الخاص برئاسة مجلس الوزراء، تحت عنوان “مشروع تشريع / مشروع قانون الاستثمار – رئاسة مجلس الوزراء” ودعوة المعنيين والمهتمين والمعنيين لتسطير الملاحظات التي من شأنها تدعيم مشروع القانون، لغاية 31 / 7 / 2018، ولكن الغريب في الأمر أن الموقع نفسه عرض – قبل انتهاء هذه المدة – نموذجاً آخر لقانون الاستثمار، مؤلفاً من /11/ فصلاً و/46/ مادة، تحت عنوان “مشروع تشريع / مشروع قانون الاستثمار المعدل – رئاسة مجلس الوزراء” وطرحه للنقاش لغاية 25/8/2018، ودون أية توضيحات تبين مبررات طرح المشروع المعدل، الذي يتضمن الكثير من التباين عن المشروع السابق، وكان اللافت في مسودة مشروع القانون المعدل هو إلغاء تبعية هيئة الاستثمار السورية إلى رئاسة مجلس الوزراء، واقتراح إلحاقها بوزارة الاقتصاد.

عرض المشروع المعدل ولد حالة من الاستغراب والتساؤلات والطروحات عند كثير من المعنيين والمهتمين بالشأن العام الاقتصادي والوطني، ما اقتضى أن تقوم رئاسة مجلس الوزراء – حسب ما ظهر على موقع الرئاسة- بإعادة مسودة قانون الاستثمار إلى مدير عام هيئة الاستثمار لإعادة دراسته من جديد بعد دمجه مع القانون رقم /9/ الخاص بإحداث الهيئة، بعد أن كان من المرتقب صدوره قريباً.

ويبقى السؤال المشروع لماذا تم طرح المشروع المعدل دون التنسيق مع هيئة الاستثمار التي عرضت المشروع الأولي المتفق عليه مع الجهات المعنية، ولماذا تضمن المشروع المعدل – في فصله الرابع – إحداث هيئة الاستثمار السورية، وهي محدثة وقائمة بكامل هيكلياتها منذ أكثر من عشرة أعوام.

من يتمعن ملياً في المشروع الأولي والتعديل المقترح، يقتنع بصوابية قرار الرئاسة بإعادة المشروع إلى هيئة الاستثمار لإعداده سريعاً، بصيغة جديدة تجمع الإيجابيات الموجودة في كلا المشروعين الأخيرين وقانون الاستثمار لعام 2007، ما يوجب أن تكون هي الأكثر دراية في كشف السلبيات واجتنابها، والأكثر موضوعية في تفهم الإيجابيات واعتمادها، وحرصها على إبقاء تبعيتها لرئاسة مجلس الوزراء، وأن تكون هي المعنية بتقييم الجدوى الاقتصادية للمشاريع الاستثمارية، وإمكانية تنفيذها وتمويلها، ووجوب التزام المستثمرين بالإجراءات المعتمدة التي تخدم متطلبات الاستثمار، خلال الترخيص والتأسيس والتنفيذ ومباشرة العمل أو التوقف لأي سبب كان، واجتناب أن تكون ضمانات الاستثمار ومزاياه وحوافزه على حساب المصلحة الوطنية العليا، فللمستثمر حقوقه المقترنة بأداء واجباته، وليس من حقه تجنيبه نفاذ القرارات والتعاميم والبلاغات الصادرة عن الجهات العامة، في حال لم يلتزم بواجباته، وألا يغيب عن بال الهيئة أنها عضو في مجلس الإدارة، وأنها ممثلة في المجلس الأعلى للاستثمار، ما يوجب عليها أن تكون هي المعنية الأساس بما يتم دراسته وما يقره هذان المجلسان، وأن تحرص على الإسراع في إعداد واعتماد كل ما يتطلبه هذا القانون، أكان ذلك فيما يخص دليل الإجراءات الواجبة العمل بها، أو اللوائح التنظيمية الخاصة بالحوافز الضريبية وغير الضريبية، أو تحديد المناطق الاقتصادية الخاصة، أو أسس تسوية النزاعات الاستثمارية، أو أية تعليمات تنفيذية، وتحديداً فيما يخص نوعية الآليات المستوردة، وجديدها المطلوب فيما يخص الصناعات الغذائية والدوائية، فالاستثمار الأكثر مطلباً وطنياً يتجلى في صدور قانون استثمار مدروس اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وخلال الأشهر القليلة القادمة.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية