اقتصادصحيفة البعث

إبداع على الأنقاض

 

لم نستطع لجم إعجابنا، بذلك العمل المبدع بفكرته ورسالته، وبما يمكن أن يُبني عليه اقتصادياً وسياحياً، إذ طالما لفتنا عناية القائمين على سياحتنا بأهمية خلق منتجات ومقاصد سياحية مختلف كلياً عن الكلاسيك المُستسهل والمستهلك الذي عفى عليه الزمن، منتجات تكون من وحي الأزمة وما خلفته من مساحات الأمل المضيئة من بين مساحات الألم.

نفق جوبر المظلم، وبما كان يُصدِّر من أفكار هدَّامة وأعمال إرهابية متطرفة وموت.. حاولت إشاعة الوجع في أرجاء الفيحاء دمشق، وذبح روح ياسمينها.. وكسر عنفوانها وتشويه جمالها.. ها هو اليوم، وبأنامل العشق الأبدي للسلام والتسامح والمحبة، يتحول لشعاع نور ورسالة لحقيقة الإنسان السوري، العريق بحضارته وأوابده وعلومه وفنونه.. التي طالما كانت منهلاً للبشرية جمعاء، ومنبعاً ثرَّاً لتصدير المبدعين والإبداع، إذ كانت دمشق وحدها تصدر للعالم ربعه سنوياً.

ثمانية عشر فناناً سورياً.. وبضياء عقولهم ونبضات أفئدتهم قبل سواعدهم وبديع حرفتهم.. جعلت من ظلامية ذلك النفق المميتة، أسطورة للضوء والحياة، بما نحتوه من لوحات وخطوه من رسائل عشق للإنسان والإنسانية، جسدت الأسطورة في أرقى مضامينها وخيالاتها.. هم اليوم يقدمون ما كنا نشدد عليه، وله في العالم الكثير من مرتاديه.

مقصد سياحي الأول من نوعه سوريَّاً، يندرج في خانة الأنواع السياحية التي تزايد الطلب عليها عالمياً خلال السنوات العشر الماضية، وهي سياحة الحروب، أو ما أطلق عليه في الغرب السياحة المظلمة، حيث العديد من الشركات التي أُحدثت لأجل هذا، تتنافس في البحث لعملائها المتزايدين طرداً، عن مثل تلك المقاصد، التي تلبي دافعهم لهذا النوع من السياحة.

مقصد.. يتعدى الأثر الفني والحضاري، ومقدرة الإنسان السوري على الصمود والتضحية وإعادة الحياة.. إلى الأثر الاقتصادي الهام بعوائده وبالقطع الصعب..، مقصد جلّ ما يتطلب – ليس الزيارة من قبل وزير ومن ثم تطفأ أضواء الكاميرات ـ  بل متابعة واستمرار الاهتمام والعمل ليكون مثل هذا المكان -الذي تحول بفعل وفكر الفنان السوري لصرح-مقصداً سياحياً في برامج مكاتبنا وشركاتنا السياحية العامة والخاصة.

الاهتمام بالمكان.. وعبر إدراجه محوراً رئيساً على قائمة محاورنا السياحية، يحتاج لمتطلبات لا تقل عن الاهتمام بأوابدنا الأثرية والتاريخية، بل ربما يفوقها، فمما يحتاج مثلاً، شمول هذا النوع من السياحة والأماكن السياحية بالتشريعات السياحية والاقتصادية، ولحظه وخصَّه بالميزانيات القطاعية، وإعداد الكوادر المتخصصة القدرة على إدارة وتطوير تلك المواقع الجديدة.

كما يحتاج بشبيه ما هو موجود في “الجندي المجهول”، إلى صوراوأفلام حية تؤرخ لما مرّ بالمكان والإنسان من أحداث فيه ومنه.. والأكثر أهمية إظهار حقيقة الإنسان الذي أراده “العالم المتحضر” كيف كان فعله، وأي إنسان الآن، وماذا أبدع وأهدى..؟ وبذات المكان..!

قسيم دحدل

Qassim1965@gmail.com