ثقافةصحيفة البعث

سلوكيات الطبيعة في فكر “بلانك”

 

تطلع عالم الفيزياء “ماكس بلانك” إلى أعالي السماء في ليلة خلت من كل شيء إلا من النجوم اللامعة التي تناثرت بشكل مغترب وهو يتذكر نظريته في الحكم التي تقول فرضيتها، إن عملية إصدار أو امتصاص مقدار من الطاقة من قبل الجزئيات أو الذرات لا تتم على نحو متواصل بل على مراحل، ثم توقف «ماكس» عن أي حراك ذهني وهو يستمع إلى همس السماء قائلاً في سره: «لا أستبعد أن أسمع ذات ليلة الصوت نفسه وهو يأمرني بعمل خارق يذهل له من لا يؤمن بالمعجزات، فقد قال علم النجوم كلمته ولكن ما هي في الحقيقة إلا أفراد عالم أثروا الوحدة فتباعدوا عن بعضهم آلاف السنين الضوئية، لقد طحننا اللاشيء». غادر بلانك، حديقة منزله وجلس على كرسيه الهزاز في مكتبه وهو يقول عبارته التي رددها بيأس مراراً بأن النجم العالمي يصنع نعشه سوية في يوم تقدمه ليدفن فيه فور تفوق لمعانه الفكري وإشعاعه المعرفي، لقد أراد من إطلاق عبارته الأخيرة أن يقول لنا، بأن موت العقل المهيمن أو النجم العالم في حقل معارفه سيحرر الآخرين ممن لديهم وجهات نظر مختلفة لبلوغ أفكارهم ونشرها بحرية أوسع قبل أن تطأ أرجلهم الأرض الصلدة التي أسسها نفوذ ذلك النجم قبل أن يدركه الموت.
اهتم الباحثون في معهد (ماساسوتش) للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية بمقولة “بلانك” يوم قالها وهو على كرسيه الهزاز ليقدم لنا د. «أزويلي» ومساعدوه بحثاً تحليلياً في تفسير تلك المقولة، نشر في المجلة الاقتصادية الفصلية الأمريكية في العام 2016 معتمدين حقائق ثلاث هي: البيولوجي وأمريكا والفترة 1975 إلى 2003 إذ أقام الباحثون فحصاً من خلال أنظمة الحاسوب على كمية الأبحاث التي أجراها عطاء البيولوجي حصرياً قبل موت النجم (العالم) وبعد موت النجم (العالم) نفسه متضمنة كلا النوعين من الناس أولئك ممن تعاون مع النجم وانفرد بنفسه في صنع أبحاثه، فبين أولئك النجوم لوحظ أن 452 من علماء البيولوجي المعروفين قد توفوا بشكل مبكر أي قبل بلوغ سن التقاعد، وبهذا فإن النتائج التي خرج بها د. «أزويلي» وفريقه قد توصلت إلى أن التعاون في نشر الأبحاث التي كانت تتم مع النجم نفسه قد انخفض بنسبة (4) بالمئة سنوياً، وعلى العكس من ذلك ارتفعت البحوث الفردية (غير التعاونية) المنشورة بنسبة (8) بالمئة، فخلال خمس سنوات من موت النجم العالم لوحظ أن الزيادة في الأبحاث التي لا تأخذ صفة التعاون، أخذت تعويض نسبة الانخفاض في الأبحاث التي كانت تنشر تعاونياً قبل وفاة العالم، ختاماً توصل د. «أزويلي» إلى حقيقة مفادها أن موت النجم العالم يعطي فسحة لأولئك الباحثين الخارجين (الغرباء) للتنفس وهي ظاهرة اجتماعية غامضة في تطور سلوكيات البحث في العلوم الطبيعية يطلق عليها (أوكسجين الفكر).
د. رحيم الشمخي