ثقافةصحيفة البعث

كوكتيل الدراما العربية المشتركة

ما لم تستطع السياسة العربية فعله في مجتمعاتها، حققته الدراما العربية، حيث كسرت شركات الإنتاج، الحدود القائمة بين هذا البلد العربي أو ذاك، بما ذهبت إلى تقديمه في السنون القليلة المنصرمة، من أعمال درامية تلفزيونية، “مشُكلة” على مبدأ من كل بستان زهرة،ليصبح من الطبيعي أن تشاهد الأسرة العربية، حكاية عائلة كل فرد فيها يحكي لهجة مختلفة عن الآخر، يناقشون ويحبون ويتشاجرون كل بلهجته، رغم كونهم أخوة والطبيعي أنهم تربوا بذات الشرط الأسروي والاجتماعي والثقافي، وإذا اعتبرنا كما يقول أحد النقاد العرب “اللغة إناء الوعي” فهذا يعني أن لغة كل منهم هي وعيه، وبالتالي فإن التوليفة نفسها في العمل يوجد فيها مشكلة عويصة، سيلتقطها المتفرج، ولسوف يرفضها بعد فترة صحو نتمنى أن لا يطول غيابها.
هذا مثال بسيط عن كون ما يسمى بالدراما العربية المشتركة، هي سوق لشركات إنتاج تشتغل وفق النظم البنكية الخاصة بها، وآخر همومها أن يكون ما تقدمه من فن، حمّال رسائل كما يدعي أي منهم في أي لقاء، وستبقى كذلك طالما أن المشهد الثقافي، لم يعد موجودا من أهله الآن إلا ما ندر، حيث لم يحدث أن خلا المشهد الفكري العربي، من وجود أسماء ذات ثقل فكري ولها ثقلها وأثرها الاجتماعي المباشر، في حال خاطبت المجتمعات التي تنتمي إليها، لتكون في ريادتها الفكرية الحقيقية لا المزيفة كما نرى الخواء الحاصل الآن، فعندما يغيب الفكر وأهله، تسود الفوضى، وهذا تماما ما عنته بل ما أرادته تلك الشركات الإنتاجية المشكوك في خلفياتها الأيديولوجية أساسا، إلا أن البطولات العربية المشتركة في الدراما عموما، ليست ظاهرة جديدة على المشاهد العربي، فمكتبة السينما العربية تحفل بالعديد من الأفلام السينمائية “المصرية– السورية– اللبنانية بشكل خاص” التي كان يجتمع بأحدها مثلاً أربعة أو خمسة من النجوم العرب، وغالباً ما كانت هذه الأفلام تحمل أفكاراً خفيفة نظيفة كما يقال، وفيها ما يشدّ المشاهد إن كان في قصة الفيلم التي تدور حول ثيمة الحب غالباً، أو بالأداء الممتع الذي قدّمه أولئك العمالقة الكبار مثل فريد شوقي ودريد لحام ورفيق سبيعي وشادية ونهاد قلعي وصباح وفهد بلان وآخرين، الذين أظهروا بشكل رومانسي طبيعة الحياة في المجتمعات العربية، وإن كانت تلك الظاهرة نقلتها بشيء من “الأوفرة” أحياناً، وهذا ربما ما كان يشدّ المشاهد، الذي لن يتأخر عن الذهاب إلى السينما، حال نزول أحد الأفلام الجديدة التي تجمع نجومه المحبوبين، عوضاً عن مشاهدته لفيلم أجنبي.
إلا أن هذه القاعدة التي كان من الممكن البناء عليها في حال وجد فن عربي حقيقي، قيمته في مستواه الفني، لم تنسحب على الدراما التلفزيونية العربية المشتركة التي بدأت تغزو الشاشات العربية مؤخراً، بعد أن أصابت عدوى الدراما التركية والهندية عقول وأفكار المنتجين العرب، وبالتالي اختلفت مفاهيم كثيرة بين ما كان حالة فنية حاضرة في الأمس بكامل عناصرها، وما صار إليه حال الفن عموماً اليوم باعتبار أنه تجارة تخضع لقوانين الربح والخسارة ذاتها.
الغريب في الموضوع أن العديد من النجوم السوريين المخضرمين، الذين لمع نجمهم وصاروا من الوجوه المطلوب رؤيتها عند المشاهد العربي بالمقام الأول، قبلوا أن يعاملوا من قبل شركات الإنتاج وكأنهم سلع، قبلوا أن يكونوا شخصيات كمالية كما التحف في منزل برجوازي مثلاً، وجودهم فقط هو لإضفاء مزيد من الهالة على نجمة العمل، التي هي عارضة أزياء بالأصل، وأداؤها غالباً محكوم بمنطق الفيديو كليب الذي خرجت منه إلى نجومية درامية عربية منقطعة النظير!. ولا أدري إن كان بالإمكان التماس العذر لهم فالإقامة في المدن العالمية تحتاج إلى جيب عميق، والمبرّر لقلة القيمة التي يظهرون فيها جاهز تحت لسانهم “هكذا يريد المشاهد” ولكن ما أدراكم أنه المشاهد يريد هذا، القصة أن المتفرج يتلقى ما يقدم له، وتفاعله أو عدمه لم يعد أمرا ذا قيمة، فهناك مكنة تعمل ليل نهار، للحديث باسمه وما يطلبه.
حديثنا هنا عن الشكل العام المخزي لهذه الدراما العربية المشتركة، فللموضوع نواحٍ أشدّ خطورة، منها على سبيل المثال أثر هذه البطولات الجماعية في المستوى والقيمة الفنية للعمل الدرامي، فضلاً عن قيمة القصة نفسها التي تقدّم، إن كانت تستحق هذا السخاء الإنتاجي أم أنها مسخ مشوّه عن منتج سينمائي غربي مأخوذة حكايته من عدة أفلام أجنبية، لا قيمة لها إلا في كونها موجودة للمفاضلة بين أنواع الرداءة السائدة في عالمنا العربي بمختلف أقطاره.
صحيح أن الدراما ألغت الحدود المادية بين البلدان العربية، لكنها رفعت جدار العزل العنصري بوجه كل عمل درامي تلفزيوني جيد ويحقق المتعة والفائدة والمقولة.
تمّام علي بركات