ثقافةصحيفة البعث

ومن الضحك ما قتل!

 

كثرت الأقاويل حول اختفاء ضحكتها، حيث كانت مقياسا لاكتمال زرقة السماء، وعلى إيقاعها يبدأ الورد النهار، كثيرون كتبوا عنها دون سابق علم لها..
نعم غابت ضحكتها المغناج، التي كانت مفتاحا سحريا لأبواب أوصدت بعناية فائقة بوجه الكثير من المغريات..!
الكل يتحدث وخصوصا الأصدقاء، لقد بالغوا في سرد الحكايات القصيرة والطويلة عن اختفاء ضحكتها تلك، والكل يؤكد بطريقته الخاصة بأن مسا من الاكتئاب قد أصابها لسبب ما.
البعض أكد أنها لم تعد تنظر لرغيف الخبز الساخن كي لا تضطر لرسم شبه ضحكة على فمها، والبعض قال بأنها باتت تخاف التمادي في الابتسام، خوفا على القلوب الضعيفة من الانهيار، والبعض رجح السبب لوجود فراغات سوداء مخجلة بين أسنانها، ولا تريد أن تظهر للعيان.
إحداهن ويفترض أن تكون من الصديقات، رأت بأن سبب إخفاء ابتسامتها هو دهاء منها، وسياسة نسائية لا يفهمها سوى القادرات من النساء.
وآخر يدعي الفهم بكل المجالات، أكد بأنه على علم بتاريخ آخر ضحكة لها، وأنه كان شاهدا على قهقهة سَمع صوتها بوّاب البناية والجيران، وخمن بأنها تعود لتاريخ ما قبل الحرب بساعات..!
مبالغات وخرافات كثيرة طالت ضحكتها دون أدنى رغبة لها بالرد على ما قيل وقال.
هي تعلم أن وجهها كئيب هذه الأيام، ولا تنكر أنه يقطع الرزق من يد العباد، لكنّها فيما مضى ضحكت، صحيح أنها لا تذكر تاريخا محددا للواقعة ولا سببها، أو ربما كانت بلا سبب، كما أنها لا تملك أي وثيقة تثبت إدعاءها، لكنّها واللهِ وبكسر الهاء ضحكت وبكل إصرار. ربما المؤثر الوراثي له دور كبير في الغياب المفاجئ لتلك الضحكة.
تنظر في وجهها بالمرآة وتحاول بكل جهدها استدعاء بعض مما سبق من ضحكات، مستعينة على لؤم الواقع بالله وببعض الأحداث والأفلام التي تثير مافي جعبتها من أفراح، بدأت تسترجع الأيام التي كانت فيها تجيد الحياة السعيدة بلا أي عناء، مع هذا لم تضحك، رغم أنها صادفت أسبابا كثيرة ومتنوعة للضحك، كسيطرة داعش مثلا على منابع النفط في البلاد، أو أن تنال جماعة الخوذ البيضاء جائزة نوبل للسلام، أو كأن يتخلى المسرح عن أبنائه ويصبح حكرا لفلان من الناس، كأن ترى في واجهة أحد المحلات حذاء يزيد سعره على راتبها بضعة آلاف، الأكثر إثارة للضحك أن يُرّقى أحد الزملاء لمنصب مهم بتهمة اختلاسه للمال العام، ومع هذا لم تضحك..!.
هذا الصباح أخبرها صديقها بينما كانا يرتشفان القهوة ويستمعان لما تيسر من فيروزيات (لا تهملني لا تنساني.. ما إلي غيرك لا تنساني..) أخبرها مطمئنا بأن لديها بوادر ورغبة جادة بالضحك من جديد، وبأنها تملك كل أسبابه، ولمعة عينيها دليل قاطع على ذلك، لكن ما تخشاه هو الموت من الضحك، نعم الموت من الضحك ولاسيما أنها كتبت أكثر من مرة على حائطها الافتراضي (أناااا لا أرغب أن أموت الآن حتى وإن كان من الضحك..!).
لينا أحمد نبيعة