تحقيقاتصحيفة البعث

فرحـــــة العيـــــد.. انتصـــــار لعزيمــــة الحيــــاة.. ومزيـــد مــــن الأمــــل وتفــــاؤل يصنــــع الســــعادة

اقتنع الناس بعدم جدوى الاستمرار في معادلة المقارنة بين العيد الذي كانوا يعيشون أيامه قبل الأزمة، والعيد في هذه المرحلة العصيبة التي سرقت منهم الفرحة والبهجة، وطبعاً هذا الاقتناع لا يمكن إدراجه في خانة اليأس، بل هو أحد وجوه الصمود، والتطلع إلى المستقبل من بوابة الواقع الحالي، رغم كل التحديات التي تواجههم على مدار الساعة، وما يثير الانتباه تلك العزيمة، وذلك الإصرار المتمسك بالحياة، وبإعادة الأحوال إلى ما كانت عليه في ربوع الأمن والأمان.
ولا شك في أن العيد الذي يتطلع إليه الناس يتجسّد في الانتصار على الإرهاب، وتطهير الأرض السورية من رجسه، فالصغير قبل الكبير يؤمن بأن ساعة النصر النهائي باتت وشيكة، وهذا ما يعزز الثقة بأن التحديات المعيشية زائلة، وهي حالة مؤقتة لن تدوم، وستعود السعادة إلى حياتهم في الفترة القريبة القادمة.
الطاقة والعزيمة
لم ترحم الأسعار الكاوية جيوب المواطنين الذين تكتوي أرواحهم في كل يوم منذ سبع سنوات وأكثر بحقد الإرهاب، وما خلّفه من دمار وخراب على كافة الأصعدة، ليزيد التجار أصحاب النفوس الضعيفة الطين بلة، فيقف الأهل عاجزين عن تلبية متطلبات أطفالهم الذين يتشوّقون للعيد، ويبدو ذلك ظاهراً على وجوههم، فهم ينتظرونه من عام لآخر لارتداء الملابس الجديدة، وللحصول على العيدية من الأقارب والأحبة، ولأكل السكاكر والشوكولا، وركوب الأراجيح التي تغص بها بعض ساحات دمشق المعروفة، وها هو أبو نبيل يعود أدراجه من السوق حاملاً خيبة الأمل بعدم قدرته على شراء ألبسة جديدة لأطفاله، فهو بالكاد يؤمن قوت يومه، وتتساءل ربا عن دور الرقابة في كبح جماح التجار ممن يستغلون حاجة المواطن، ويرفعون الأسعار، فحتى الحلويات أصبح شراؤها حلماً بالنسبة للأسر السورية من أصحاب الدخل المحدود، لكن أم جمال، وهي مهجّرة من حرستا، بالرغم من عدم قدرتها على شراء مستلزماته، فما رأته من ويلات جعلها تحمد الله ألف مرة على أنها بقيت على قيد الحياة، وتحيي مع السوريين هذه المناسبة المباركة، وتكفيها روح جديدة تمنحها الطاقة والعزيمة تستمدها من هذه المناسبة، ويؤكد مروان على أن أعظم هدية يمكن أن تقدم في هذا العيد هي مشاركة أمهات الشهداء فرحتهم، وليس حزنهم، بكل عريس قدمنه فداء للوطن، وتكاد الكلمات تعجز عن التعبير عن مكنونات ما يعتمر صدر مروان من ألم وحزن على دماء السوريين التي هدرت في السنوات الماضية، وكان دم أخيه البطل الشهيد قد سال مع شلال الدماء الذي سال بفعل تدبير أيد خبيثة تريد بوطننا السوء، وكذلك كانت لعبير كباقي السوريين الشرفاء أمنية هي أن يأتي العيد القادم وتكون سورية تعافت من وباء الإرهاب الذي أصابها، ويعود أبناء الوطن ممن غادروه تحت ظرف قاهر إلى ربوعه ليبدؤوا مسيرة جديدة عنوانها بناء سورية وتعميرها لتعود أجمل من ذي قبل.
بدورها أم عبده، وهي موظفة، قالت: نحن نحاول أن نتغلب على آلامنا وهمومنا، وأن نمارس حياتنا بشكل طبيعي، والاحتفال بالعيد، ولكن الواقع يصدمنا، فالأسعار مرتفعة جداً، ولا نستطيع مجاراتها برواتبنا التي لم ولن تصمد أمام استغلال البعض للأزمة، والمتاجرة بنا وبلقمة عيش أولادنا، فهؤلاء زادوا من معاناتنا، وغيّبوا ليس فرحة العيد فقط، بل نغصوا أيضاً أيامنا بهموم لا تعد ولا تحصى. وشاركتها منى الحديث لتقول: كنا في السابق نعمل على صناعة الحلويات في منازلنا، ولكن في هذه الأيام الصعبة بات الأمر شبه مستحيل وغير مجد لا من الناحية الاقتصادية، ولا من الناحية الاجتماعية النفسية في ظل ارتفاع التكاليف، وحالة القلق القابضة على يوميات حياتنا، إضافة إلى الحزن الموجود في البيوت، حيث الشهداء الذين نترحّم على أرواحهم الطاهرة، فمن أين يأتي الفرح؟ ومن أين تأتي البهجة بالعيد والأهل والجيران ونحن نعيش أسوأ الظروف، وقلوبنا مجروحة وتنزف ألماً على بلدنا وأولادنا الذين يستبسلون في الدفاع عن بلدهم وعن حياتنا، والذين نقول لهم: عشتم وعاش الوطن عزيزاً كريماً حراً أبياً، ونقول لأبطال جيشنا الباسل، ولشعبنا الصامد: كل عام وأنتم وبلدنا بألف خير.

واقع الأسواق
هذه الحوارات كانت جزءاً من اللوحة التي حاولنا رسمها حول واقع الأسواق التي كنا نعتقد أنها ستكون في قمة نشاطها، فقد توقعنا أن نجد، “كما في الأيام السابقة”، كل شيء نابضاً بالعيد، فالفرح، والأمان، وضحكات الأطفال كانت رغم التحديات في كل مكان، ولكن للأسف الصورة لا تخلو من المشاهد المأساوية، فالآلام والأوجاع كانت حاضرة في كل بيت، وعلى كل وجه، والحياة تنزف بؤساً وحاجة، والأسواق تئن من وطأة الغلاء، وهجرة الأمان والأحباء والأصدقاء، ورحيل الزبائن، فالشوارع والمحلات التي ازدحمت واجهاتها بكافة الأزياء والتنزيلات التي تدعو المارة للدخول والتسوق لم تكن كسابق عهدها بعد أن افتقدت لأهم مكوناتها، حيث غاب الزبائن في زحمة الحاجة، وإن وجدوا فهم يتجولون بجيوب خاوية تقرع فيها طبول الإفلاس، فكانوا كما يقولون: (العين بصيرة واليد قصيرة). وفي سوق الحمراء لا يختلف المشهد من حيث الحركة والازدحام عن غيره من الأسواق، إلا أنها كانت حركة وهمية تغيب فيها القوة الشرائية الكبيرة التي وصفها أحد أصحاب محلات الألبسة بقوله: “إني أرى أناساً، ولا أرى فلوساً”، محاولاً بذلك مقاربة وضع الأسواق مع المثل القائل: “إني أسمع جعجعة ولا أرى طحيناً”، وقال: نعمل بكل السبل والوسائل لجذب الزبون من خلال التنزيلات، وتقديم كافة الخدمات التي من شأنها خلق علاقة جيدة معه، وأحياناً كثيرة نتنازل عن مبلغ جيد من أرباحنا بهدف عدم إفلات الزبون، ودفعه للشراء، وتأمين مصروفنا، ورواتب العمال، وكل ما يتعلق بصرفيات المحل والضرائب.

بفارغ الصبر
وخلال جولتنا في الأسواق التقينا العديد من الأشخاص، منهم من كان يحمل أكياساً تحوي بعض مستلزمات العيد، حيث أكدوا أن جولتهم هذه تتويج لأشهر من الاقتصاد بالمصروف الضئيل، وتخزين الفائض المتواضع والإلزامي لمثل هذه الحالات في المطمورة التي تحفظ لهم ماء وجههم في المجتمع، وترسم البسمة على وجوه أطفالهم الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر، وقد تحوي هذه المطمورة ثمن بعض المصاغ الذهبي الذي تم بيعه للمساعدة في التغلب على ظروف الحياة، كما أشاروا إلى أن أسعار بعض المواد قد تكون مقبولة ومتناسبة مع التكلفة، إلا أنها لا تتناسب أبداً مع الحالة الاقتصادية والدخول، وخاصة في هذه الظروف الخانقة وأزمتها، ولفتوا إلى ارتفاع أسعار بعض المواد بشكل غير مقبول، واللافت في حديث هؤلاء تبريرهم لتصرف أصحاب المحلات الذين يحاولون تعويض ما فاتهم من أرباح خلال موسم العيد.
أما القسم الآخر فكانوا من المتفرجين الذين يتجولون في الأسواق بحثاً عن التسلية وتمضية الوقت في الوقوف طويلاً أمام الواجهات، وإطلاق الوعود لأنفسهم ولأطفالهم باقتراب الفرج، وموعد التسوق، فأم محمد التي اعتادت شراء الكثير من الأغراض للاحتفال بالعيد تحاول الآن جاهدة تركيز اختيارها على الأمور الضرورية، فقد اختصرت جولتها التسويقية على بعض المواد الخاصة بالضيافة، أما خليل الذي كان يركض وراء أولاده الذين يتسابقون إلى المحلات لشراء ملابس العيد، فقد أكد أنه اكتفى بشراء ما يسعد أطفاله فقط، واشتكى من الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار بشكل لا يصدق، فملابس الأطفال باتت خارج السيطرة، وتعيش حالة جنونية لم يشهدها السوق من قبل.

رسالة تحد
تفرض علينا الأحداث الدامية ضرورة المحافظة على مشاعر الآخرين ممن فقدوا عزيزاً أو غالياً، فمع اختلاف الظروف أصبح العيد يحمل معاني مختلفة ومظاهر جديدة يحيي السوريون بها عيدهم كزيارة الجرحى والمهجّرين في مراكز الإيواء، وذوي الشهداء، والتواصل معهم، وتقديم أي نوع من أنواع المساعدة، مادية كانت أو معنوية، لأن النصر لا يكون إلا بالتكاتف، والإحساس بمعاناة الآخرين، ومساعدتهم طالما أن الإرهابيين ومن وراءهم يراهنون على إضعافنا وتفككنا، فنهزمهم نحن بزيادة تلاحمنا، فلم تكن سورية، قيادة وشعباً، لتصمد لولا اتحادنا جميعاً، وثباتنا في أرض المعركة، والدفاع عن حقنا وكرامتنا، كل حسب موقعه، فالمدرّس، والطبيب، والمحامي، والصحفي، كلهم جنود لبوا نداء الوطن، وتمسكوا بالأرض عندما تخلى عنها آخرون ممن باعوا أنفسهم بحفنة من الدولارات، وهؤلاء سينكرهم الوطن والتاريخ.
Basherf72@gmail.com