ثقافةصحيفة البعث

بعد عرضها عام 2001 “الريشة البيضاء”تتوجه في العيد لجمهور مختلف من الأطفال

 

لأنها تحمل قيماً إنسانية راقية وخلاقة لبناء إنسان حقيقي قادر أن يكون على مستوى تحديات المرحلة الحالية والأزمة تجر ذيولها عن بلدنا، يقدم المخرج وليد الدبس مسرحيته “الريشة البيضاء” التي سبق وأن قدمها عام 2001 خلال أيام العيد على خشبة مسرح القباني من خلال مجموعة جديدة من الممثلين، ويبيّن الدبس أن القيم الإنسانية التي يحملها النص مناسبة جداً ليومنا هذا، ومن الضروري إعادة طرحها والتأكيد عليها بالعودة لموروثنا الأخلاقي والإنساني والانتمائي لبلدنا وهو مؤمن أنه ومن خلال هذا العرض سيستطيع أن يمسح عبء الهموم والترسبات التي تركتها سنوات الحرب في نفوس أطفالنا.

الخيال حاضر بقوة
يؤكد الدبس وهو صاحب التجربة الطويلة في مسرح الطفل والذي سبق وأن قدم أعمالاً مهمة تحمل العديد من القيم الإنسانية مثل “عربة الملاك” و”زهرة الياسمين” أنه اختار “الريشة البيضاء” بالتحديد وليس غيرها لإعادتها، لأن ما يميز هذه المسرحية عن أعماله الأخرى أن الخيال فيها حاضر بقوة وبشكل يتناسب مع ثقافة الخيال الفطرية الواسعة والغنية لدى الطفل والتي من المفترض مجاراتها.. و”الريشة البيضاء” برأيه تلبي هذه الحاجة لديه، وقد سعى من خلالها إلى أن يفسح للطفل فيها المزيد من الخيال والتخيل، منوهاً إلى أنه يحترم ذهنية الطفل وطريقة تفكيره وخياله وفعله وردة فعله وتفاعله مع الكبار، مؤكداً أن الأطفال سوف يكونون متفاعلين كثيراً مع العرض وما يقدمه من خلال غنى المَشاهد والأماكن المتعددة التي فرضتها طبيعة الأحداث في العرض لنقل الطفل من مزاج لمزاج آخر من خلال حدث وصراع يحدث على خشبة المسرح وهو الصراع الأزلي ما بين الخير والشر.

الخير والحب
ويوضح الدبس أنه يقدم في “الريشة البيضاء” الجانب الشرير بطريقة جميلة رغبة منه في أن يحب الطفل هذه الشخصيات ويسعد بها ويتابعها ليستطيع عندما تحاكَم هذه الشخصيات في النهاية أن يرفضها، انطلاقاً من قناعته أن الطفل إذا لم يحب شيئاً لا يمكن أن يحكم عليه، وهو من خلال “الريشة البيضاء” يريد أن يوصل الطفل إلى مرحلة التقييم الصحيح لما يُطرح أمامه في أي مجال، مبيناً أن “الريشة البيضاء” هي الخير والحب وكل ما هو جميل، وتتحدث عن أميرة لا تستطيع الكلام وتعزف على آلة الهارب لتعبر عما تريده وتحس به، وهنا أراد المخرج أن يؤكد ضرورة تشجيع الأطفال على تعلم الموسيقا لأنها لغة بحد ذاتها وقادرة على إيصال ما نريد التعبير عنه، ولعلاج الأميرة يطلب الطبيب ضرورة الحصول على الريشة البيضاء القادرة على شفائها وهي موجودة في بحيرة البجع التي يحتاج الوصول إليها لإنسان صادق ومخلص وقوي وذكي وقادر على تجاوز المصاعب، فيتجه الحطاب (الخير) وخربوش (الشر) نحو بحيرة البجع للوصول إلى الريشة.

جمهور مختلف
يقول الدبس أن تقديمه للريشة البيضاء في العام 2018 جعله يعيد النظر بأمور كثيرة فيها، وخاصة على صعيد الحركة بحيث تتناسب مع اللغة البصرية للطفل الذي يحب الصورة والحركة المسرحية الرشيقة، مع أنه مؤمن أنها لو عُرضت كما كانت في العام 2001 ستبقى مطروحة بقوة ومحتفظة بجمالها لما تحمل من قيم فنية جمالية، وهذا ينطبق برأيه على كل عمل فني يحمل قيمة جوهرية اتجاه حس المتلقي، مع إشارته إلى أن الكثير من الأعمال التي قُدمت سابقاً بقيت حاضرة ومحتفظة بجمالها حين تمت إعادة تقديمها بعد سنوات عديدة، وخير دليل على ذلك قصةً “سندريلا” التي ما تزال تعاد وتُقدم وأجيال عديدة تتابعها بذات الشغف، مؤكداً أنه اليوم يتوجه بعمله لجمهور مختلف من الأطفال الذين عانوا من ويلات الحرب وارتداداتها وتداعياتها، وهو جمهور أتعبته الحرب، ولكن ما يغريه اليوم ليقدم “الريشة البيضاء” أننا نعيش بأمان وحالة مستقرة، وهذا الوضع يؤثر بشكل ايجابي على آلية استقبال الأطفال للعرض.

طريقة جديدة
ولتقديمها بحلة جديدة ولتغير مزاج جمهور اليوم من الأطفال سعى الدبس لتغيير الممثلين، وهذا أمر مهم برأيه ليقدم الممثل الجديد دوره بنفس وطريقة جديدتين تناسب المرحلة الحالية، نافياً أن يكون سبب إعادة عرض “الريشة البيضاء” عدم وجود نصوص جديدة، مشيراً إلى أن لديه نصاً جديداً، ومع هذا اختار إعادة “الريشة البيضاء” الذي سبق وأن حصلت على جائزة أفضل تأليف مسرحي في مهرجان عمان، وهذا برأيه دليل على أهمية ما يطرحه هذا العمل.

متابع ومتلقٍّ إيجابي
ولا ينكر الدبس أنه لا يمكن لأي مخرج سبق وأن قَدَّم عرضاً سابقاً وقام بإعادته إلا أن ينظر إلى ما قدمه سابقاً بطريقة مختلفة لأن ظرف تقديم عمل في العام 2001 سيختلف حتماً عن ظرف تقديمه في العام 2018  مع تأكيده على أن مسرحية “الريشة البيضاء” تقدَّم اليوم في ظروف أفضل، والمتلقي أصبح جاهزاً أكثر لأن يكون متابعاً جيداً في ظل حالة الاستقرار التي نعيشها، وهو متيقن أن النص يلبي حاجات أطفالنا في هذه الفترة لما يحتويه من قيم إنسانية يجب إعادة تذكير الطفل بها لإعادة بنائه بحال أفضل، مذكراً أنه في عرضه الأخير “زهرة الياسمين” الذي قدمه عام 2015 كان قد تحدث عن الأزمة، ونحن اليوم نتجاوزها، لذلك كان من الضروري عبر “الريشة البيضاء” التأكيد على أننا نعيش حياتنا مع التأكيد على أننا يجب أن نكون متمسكين بإخلاصنا ومحبتنا وشهامتنا وقوتنا وذكائنا، وهي قيم إنسانية موجودة في داخلنا ويجب أن نستفيد منها ونمارسها لنستطيع بناء بلدنا من جديد.

المسرح بكل أشكاله
وينوه الدبس إلى أنه ليس ضد المباشرة الموجودة في كل عرض مسرحي يتوجه للأطفال، والتحدي الحقيقي برأيه يكمن في طريقة الإخراج وطرحه ضمن معطيات فنية بذكاء ووعي لما يجب إيصاله، وكذلك تقديم العمل بصيغة فنية تساهم كل العناصر الفنية من إضاءة وموسيقا وديكور وسينوغرافيا في تشكيلها النهائي.
وأشار المرج الدبس إلى أهمية تقديم عروض مسرحية للأطفال في فترة العيد حيث المزاج العام مستعد لاستقبال هذه الأعمال بكل فرح ومحبة، مع تأكيده على ضرورة وجود أعمال تتوجه للطفل طيلة العام ليس في دمشق والمدن الكبرى فحسب، بل في كل بقعة من بلدنا حيث من الضروري إيصاله إلى المناطق البعيدة عبر أشكال وأساليب وطرق مختلفة.
وقد بدأت مسرحية “الريشة البيضاء” بتقديم عروضها  بدءاً من أول أيام العيد وتستمر لمدة أسبوعين يومياً الساعة السادسة على خشبة مسرح القباني وهي من  تأليف وإخراج وليد الدبس، إنتاج مديرية المسارح والموسيقا، تمثيل ناصر الشبلي، باسم عيسى، داود شامي، مؤيد الخراط، فادي الحموي، سيرينا محمد، عايدة يوسف، جودي الزاقوت، ميار الدبس، محمد وحيد قزق، هيثم مهاوش بالاشتراك مع الفنانة رباب كنعان في دور ملكة البجعات.. المخرج المساعد محمد المودي، تصميم الديكور وكلمات الأغاني محمد وحيد قزق، تصميم الإضاءة بسام حميدي، موسيقا وألحان أيمن زرقان، تصميم الملابس سهى العلي، تصميم الرقصات رأفت زهر الدين، مكياج نور الخطيب، تنفيذ فني للديكور د.عروب المصري.
أمينة عباس