الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

رحيل حنا مينه ..شيخ الرواية العربية وبحار سورية

 

لم يكن الروائي السوري الكبير حنا مينه شيخ الروائيين العرب أو عميد أدب البحر في العالم فحسب بل كان ابن الأرض التي انتجته ونهل منها حكاياته وشخوصه مازجاً معها تجربته الإنسانية والوطنية والسياسية لتغدو شخصيات روائية أبدعها من دمه ولحمه مثل: الطروسي، ومفيد الوحش، والمرسنلي.
مينه، الذي غيبه الموت أمس عن 94 عاماً اثر معاناة طويلة مع المرض، كان التحدي السمة الأبرز في حياته، فهو البحار الذي واجه البحر بعواصفه وأنوائه، ووقف في شبابه الباكر ضد الاحتلال الفرنسي وتصدى للجهل والتخلف والاستغلال، مختصراً في 40 رواية كتبها آلام المسحوقين والفقراء وانتصر دائماً للمظلومين.
وكان مكتوباً على أديبنا الراحل أن يعيش حياة الترحال، فبعد أن ولد في مدينة اللاذقية سنة 1924 انتقلت أسرته للعيش في لواء اسكندرون، ثم عادت إلى اللاذقية بعد سلخ اللواء من سورية لتسكن في حي المستنقع، حيث اضطر للعمل صغيراً في مهن متعددة ليساعد أسرته قبل أن يعمل حلاقاً في حي القلعة.
استهوته حياة المرفأ والبحر فعمل في ميناء اللاذقية بحاراً، وتعرّف على معاناة البحارة والمخاطر التي تحيق بهم، وانخرط في العمل الوطني مبكراً واعتقل وسجن مرات عديدة، وعمل في الصحافة، ولعل هذه الحياة المليئة بالمغامرات والترحال والتحدي صقلت شخصيته وفكره ومنحته أجنحة عالية خفق فيها عندما بدأ بكتابة روايته الأولى المصابيح الزرق سنة 1954.
وعبر رواياته التالية ظهر جلياً عند مينه الإصرار على الحكاية والتوغل في شخوص أبطاله الذين كانوا دائماً من رجال البحر ومن تملك الحب قلوبهم، فجمعوا الشجاعة والإقدام والعاطفة والذوبان في المحبوبة.
وكان في عمل الراحل بوزارة الثقافة تأكيد على نجاح المبدع في العمل الإداري، الذي ينفر منه في كثير من الأحيان، حيث سعى مينه إلى أن تكون الثقافة ذات طابع شعبي قريبة إلى الناس، مستعيناً في ذلك بأسماء كبيرة ساعدته على تنفيذ هذه التطلعات.
حاز مينه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2002، إضافة إلى جوائز عدة على عطائه الروائي، منها جائزة الكاتب العربي من اتحاد الكتاب المصريين، وجائزة المجلس الثقافي لجنوب إيطاليا عن رواية الشراع والعاصفة، فيما قدمت الشاشتان الذهبية والفضية أعمالاً سينمائية وتلفزيونية مقتبسة عن رواياته، منها الياطر ونهاية رجل شجاع.