دراساتصحيفة البعث

صفقة القرن.. قراءة مختلفة

سميح خلف
كاتب من فلسطين

ثمة ما هو مهم أن يذكر، أن البعض أو الغالبية قد خصصوا صفقة القرن منسوبة للقضية الفلسطينية، ووضعوا حلولاً جذرية لها على حساب الشعب الفلسطيني، ولكن ما هو جدير بالذكر، وإن كان التخصيص الأبرز للقضية الفلسطينية، أن جوانب هذه الصفقة وأجنحتها لا يمكن أن تتم دون الوسط العربي التاريخي والجغرافي الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني.
ومن قاعدة أساسية أن منطقة الشرق الأوسط لا تخضع لتصورات رئيس أمريكا، بل هناك ثوابت للخارجية الأمريكية، واللوبي الصهيوني، وعجلة رأس المال الأمريكية، والعلاقة المتجذرة بين رأس المال هذا واللوبي الصهيوني.
صفقة القرن ليست وليدة هذه المرحلة، أي مرحلة ترامب، وإن كان ترامب والخارجية الأمريكية قد كلفوا بمرحلة قد تؤدي إلى نتائج واضحة، فقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كان بتاريخ النصف الثاني من التسعينيات، ولم تأت مرحلة نقل السفارة ومناخات تؤدي إلى ذلك إلا في فترة ترامب، فقد كانت الخارجية الأمريكية والبنتاغون الأمريكي في عهد أوباما يكرسون ما صنعه بوش الابن من تدمير أول مربع في الأمة العربية وهو العراق، واجتياحه وتدمير جيشه وبنيته التحتية، وأتى أوباما ليكرس أيضاً نظرية كوندوليزا رايس في 2004، الشرق الأوسط الجديد أو الفوضى الخلاقة، وبدؤوا في رسم واضح وحقيقي لتنفيذ ما يسمى صفقة القرن من خلال ما يسمى “الربيع العربي”، وتفكيك الأنظمة الوطنية التي كانت لها ثوابت من وجود “إسرائيل” في حد ذاته.
الإعداد لصفقة القرن الحادي والعشرين كانت له أساسيات وخلفيات من الإعداد الممنهج، بناء على دراسات استراتيجية تقوم بها الصهيونية في أمريكا التي تقودها عجلة رأس المال، والقوة العسكرية الفتاكة لأمريكا التي جعلت من “إسرائيل” قاعدة لها.

الإعداد لصفقة القرن
كان الإعداد لصفقة القرن من خلال القرن العشرين تنفيذاً ممنهجاً، وبالقطع لصالح نظرية الأمن “الإسرائيلي”، وقبولها في المنطقة، لتتم بعد ذلك في القرن الحادي والعشرين تصفية القضية الفلسطينية المرتبطة بإحداث تغييرات في المنطقة ما حول فلسطين، وظهور “داعش”.
ولكن دعونا نتحدث عن خلفيات ما يسمى صفقة القرن التي أعد لها، وتم تنفيذها للوصول إلى مرحلة إعلان ترامب عنها، وإن جاءت على لسانه، ولكنها دراسات مؤرشفة في الخارجية الأمريكية و”السي أي إيه” والبنتاغون:
1– نكسة 67، وتحطيم الجيش، والاقتصاد المصري الذي أثبت نفسه في المحيط الأفريقي والعالمي، حيث قال “موشي ديان”: إننا أجهضنا قوة مصر لأكثر من 50 عاماً، وستتغير المواقف بالنسبة لـ “إسرائيل” في المنطقة، وستكون هناك اعترافات بها.
2– البدء بزيارة القدس من قبل الرئيس السادات بناء على توازنات معركة تحرير سيناء والقناة في حرب تشرين الشهيرة.
3– قبول منظمة التحرير بالتحول من مرحلة الثورة والكفاح المسلح إلى دائرة العمل السياسي، ومحاولة الاعتراف بها من قبل أمريكا على قاعدة القرار 242 و338، والقبول بالحل المرحلي على أرض محررة، ولم يذكر كيف وبأي الطرق، وقد تمت ترجمة النقاط العشر والحل المرحلي بشكل مخالف وخاطئ، ما أتاح للقيادة السياسية لمنظمة التحرير الاتصال بالقوى “الإسرائيلية” في دول أوروبية على قاعدة التنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
4- قد ذكرنا سابقاً غزو العراق، وما هي النتائج التي حصدتها أمريكا و”إسرائيل” من إعادة رسم بعض الجغرافيات السياسية والأمنية في المنطقة، وظهور إيران كقوة إقليمية.
5– اتفاق أوسلو الذي كان بدايته “غزة أولاً”، وأضيفت أريحا بعد ذلك لتصبح “غزة أريحا أولاً”، على اعتبار، بالمفهوم السياسي والأمني، أن أي تصور لبناء فلسطيني ودولة فلسطينية سيكون في غزة، وقد كانت اتفاقية أوسلو التي تم توسيعها مرحلياً في عملية تحايل على القانون الدولي لتقسم الضفة إلى مناطق A, B , C لتحتكر “إسرائيل” سيطرتها الكاملة على المنطقة C والتي تقدر بـ 60% من مساحة الضفة.
وفي عام 2002/2003 أصبحت كل الضفة الغربية تحت سيطرة الإدارة المدنية والجيش “الإسرائيلي”، وبقيت غزة بكل فصائلها تقاوم التدهور الذي أحدثته اتفاقية أوسلو من تدهور للبرنامج الوطني، والمطالب التاريخية للشعب الفلسطيني، وإن كانت هناك بعض الأخطاء التي تؤخذ نتيجة الانقسام في إدارة قطاع غزة، والنقطة الخلافية هنا في البرامج وبصرف النظر عن وجود حماس من عدمه، فهل كان يقبل الشعب الفلسطيني بخارطة أوسلو، وسيطرة “إسرائيل” على الأرض التاريخية، وبدائل لحل قضية اللاجئين، وإعطاء الفلسطينيين مدناً في الضفة وغزة التي لا تتجاوز مساحتها 375 كيلومتراً، فبحق إن أوسلو أعطت “للإسرائيليين” من صفقة القرن ما هو تحت الرغبة “الإسرائيلية”.
6– اتفاق كامب ديفيد وتشريع وجود “إسرائيل” في العلاقات العربية.
7– اتفاق وادي عربة وما أعطى لـ “إسرائيل” من حرية النفوذ على وادي الأردن والغور.
8– “الربيع العربي” الذي فتت الدول العربية، وجعل الدول الوطنية دولاً فاشلة، والأزمات الخليجية، واليمنية، والليبية، والسورية، والتونسية، والمصرية التي تعرّضت للإرهاب، وحصارها اقتصادياً لإشغالها في شؤونها الداخلية، ووضع حاجز قوي لعدم تدخلها في دول المحيط العربي.
9– المبادرة العربية عام 2003/2004 التي تنص على الأرض مقابل السلام، وحل عادل ومتفق عليه للاجئين مقابل إقامة علاقات واعتراف مع “إسرائيل”.
قد يكون حسم الموقف في سورية لصالح الدولة السورية والقضاء على الإرهاب بمساعدة روسيا وإيران، قد أصاب صفقة القرن بالعطب أو بجزئية كبيرة من مربعاتها، وخاصة سيطرة سورية على المعابر والحدود مع الأردن ولبنان، وربما قريباً مع العراق، ولكن هذا سيبلور تجذر النفوذ الإيراني في المنطقة، وسيجعل نقاط التماس بين التوازن الاستراتيجي الأمني في المنطقة بين إيران و”إسرائيل”، ما يحدث نوعاً من توازن الرعب لحرب باردة لا أكثر، قد تكون النجاحات في سورية قد أحبطت التعديلات على “سايكس بيكو” التي أنتجتها الفوضى الخلاقة لكوندليزا رايس.

الحال العربي
هنا بالمفهوم التاريخي لا شيء اسمه صفقة القرن، ولكن هناك أطروحات متدرجة لثوابت في الإدارة الأمريكية، وخارجيتها، واللوبي الصهيوني، فلا تخطئوا عندما تتحدثون عن صفقة القرن كأنها وليدة المرحلة، فإنها تخص منطقة بكاملها بجغرافيتها العربية، وإن كانت محصلتها التغيير الواضح الذي يريدون فرضه على واقع الجغرافيا والاقتصاد والأمن لصالح نظرية الأمن “الإسرائيلي” واستراتيجيتها.
كيف سنقاوم تلك الصفقة على المستوى الفلسطيني والعربي؟.. بالتأكيد إن العالم العربي مقسم ومجزأ، فهناك أزمة الخليج، وفي العراق الذي يعاني من أزمة في انتخاباته، وتعرّض لإرهاب شامل من “داعش”، وسورية التي تحارب 87 فصيلاً إرهابياً، وليبيا التي فيها أكثر من 43 من الميليشيات، وتونس غير المستقرة أمنياً، واليمن التي تعاني من حرب بأيد عربية عبر ما يسمى “التحالف العربي”.
كيف نواجه الصفقة أو نتائج ما أعد لها وهناك معاهدات سلام بين “إسرائيل” ودول عربية تحد من مناورات تلك الدول وقراراتها ضمن حدود الاتفاقيات؟ كيف سنواجه صفقة القرن وهناك إرهاصات لعلاقات عربية أخرى مع “إسرائيل” لمواجهة إيران؟ كيف يمكن مواجهة صفقة القرن وهناك تدخل تركي أيضاً يحافظ على مصالحه وأمنه القومي؟ وأخيراً كيف يمكن مواجهة صفقة القرن والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لم تعط شرعيات أكيدة لها من خلال مؤتمراتها ومجالسها؟ وكيف يمكن إسقاط صفقة القرن والفلسطينيون لم يستطيعوا حتى الآن التوصل لبرنامج سياسي ونضالي واحد يلفظ “أوسلو” ومعطياتها، ويسحب الاعتراف بـ “إسرائيل”، ويوقف التنسيق الأمني، ويعد الجبهة الداخلية لمواجهة هذه الصفقة، وإنهاء الانقسام على قاعدة سحب الاعتراف، ووقف التنسيق الأمني، وانتهاج برنامج سياسي جديد يتعاطى مع المرحلة، وتنفيذاً لقرارات المجلس المركزي، واجتماعات اللجنة القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير في بيروت العام الماضي؟.