تحقيقاتصحيفة البعث

تنتظر تنفيذ الوعود جزيرة أرواد.. مكانتها السياحية لم تشفع لها لتحسين واقعها الخدمي! 

لم تمنع أمواج البحر الصيفية، المرتفعة “على غير العادة” في هذا الوقت من السنة، من تعطيل رحلة فرع اتحاد الصحفيين بطرطوس لنحو أربعين صحفياً مع عائلاتهم ضمن محافظة طرطوس لزيارة جزيرة أرواد، وقلعتها التاريخية، وسجن القلعة بداخلها الذي زج بمئات الوطنيين من صناع استقلال سورية أيام الاحتلال الفرنسي، أو سجن الأحرار كما يطلق عليه، إلى جانب معالم الجزيرة الأثرية والسياحية، فبعد تطمينات علي نجم رئيس مجلس بلدة أرواد الأسبق، ومعه عادل تنبوك “ريس الزورق” الذي أقلنا إلى الجزيرة، بأن لا خطورة تعيق إبحار الثلث ساعة، وهي المدة الزمنية التي تستغرقها الرحلة البحرية، رغم الموج العالي، وهذا ما كان، لكن الذي يجعلك تتأسف الزيارة، وربما إلغاءها واستبعادها وعدم تكرارها، واقعها الخدمي الصادم المزري الذي يستقبلك لحظة تطأ قدمك رصيف مينائها اليتيم “تقريباً”، المتهالك الذي يستقبل ويودع القادمين والمغادرين من أبناء الجزيرة والضيوف، حتى بات يضيق بهم دون أن تتمكن الخطط ووعود التوسيع وتوصيات اللجان والدراسات على مر السنوات من أن تضيف له ولو متراً واحداً، أو تحسن الموجود؟!.

ومع ولوجك ممرات الجزيرة “الكنز” وأزقتها التي تتربع على ثلاثة كيلومترات مربعة، ستكتشف واقعها الخدمي السيىء الذي تعانيه، والإهمال الذي تلاقيه، مع الأسف، سواء من أبناء جلدتها، أو من الأجهزة الخدمية المقيمة على أرض الجزيرة، أو الزائرة التي تعمل على خدمتها، كما يفترض، ممثّلة بمجلسها البلدي، ومشفاها الذي أغلق بعد افتتاحه الرسمي قبل حوالي عقدين من الزمن لأسباب غير مفهومة، أولها غياب النظافة الكلي، وانتشار الروائح الكريهة، وأسراب الذباب الكثيف، وتراكم القمامة بسبب عدم ترحيلها؟!.

أحد أصحاب الدكاكين القريبة من القلعة المنهمك بتجميع الأوساخ من أمام دكانه القريب من القلعة قال بصوت عال عندما سألناه عن عمال نظافة:  “ليش في بلدية أصلاً”؟!.

ولم يذهب بعيداً بعض العاملين أمام الورش والحرف التي تعمل في صناعة القوارب، وشباك الصيد، عندما اعتبروا أن الواقع الخدمي في جزيرتهم، وأوله النظافة، في أسوأ حالاته، ولم يسبق أن عاشت الجزيرة هذا الإهمال من قبل، ولدى البلدية خمسة عشر عامل نظافة، وزاد الطين بلة توقف المركب الذي تعاقدت معه البلدية لترحيل القمامة إلى معمل معالجة القمامة في وادي الهدة بطرطوس منذ أسبوعين، وقت الزيارة، لتعود مشاهد تجميع وإلقاء القمامة على الشواطىء التي تحيط بالجزيرة، وفي زوايا الأزقة والممرات والسراديب إلى سابق عهدها؟!.

رئيس مجلس البلدة محمد بصو قال: إنه بحاجة لسيارتي تجميع قمامة صغيرتين بسبب صعوبة الدخول بين الأزقة الضيقة، بحيث يمكنهما السير على الكورنيش المحيط بالجزيرة كحل نهائي لمشكلة ترحيل قمامة أرواد وتجميعهام وهو بانتظار رد المحافظة، ووزارة الإدارة المحلية على طلبه؟!.

وقد طرحنا عليه إشراك المجتمع المحلي، لاسيما أن هناك بعض الأسر الغنية من أصحاب البواخر المقتدرين، ويحبون جزيرتهم، يمكنهم دعم بلديتهم دون أن يشكّل عليهم عبئاً يذكر، بعيداً عن انتظار الروتين، والموافقات، والتمويل، وما إلى ذلك.

السور الفينيقي يتداعى

من المثير للدهشة والاستغراب، إن لم نقل الاستنكار، أن يصل حال سور أرواد الفينيقي النادر والفريد من نوعه، الكاسر للأمواج في بلادنا، إن لم نقل في المنطقة كلها، ليتداعى ويتهاوى صخرة بعد أخرى أمام أمواج البحر الهادرة، لتحوله إلى لقمة يبتلعها البحر، حتى كاد أن يصبح أثراً بعد عين، والجهات المعنية، سواء الآثار وما هو أكبر منها، لا تحرك ساكناً، أو تنبس ببنت شفة؟!.

حتى المسبح الفينيقي “نعم المسبح الفينيقي” الذي لا مثيل له في العالم، ويعود لثمانية آلاف عام تقريباً، نتفرج عليه يتفتت ويتلاشى هو الآخر تحت ضربات الأمواج التي لا تهدأ، والحال ذاته ينسحب على مغاور الإنسان القديم الذي سكن الجزيرة منذ ما قبل التاريخ، تحولت إلى جور لرمي القمامة والأوساخ، وتعديات البناء والهدم والطمر، وما إلى ذلك، بفعل الإهمال والتفريط بتاريخنا، كل ذلك يتم على رؤوس الأشهاد، ومرأى ومسمع الجميع؟!.

وبالمقارنة نستغرب كيف حافظ البرج الأيوبي شرقي الجزيرة على معلمه الجميل، وتحويله إلى عمل سياحي آثاري استثماري رغم ما يعتريه من ملاحظات على عمليات ترميم فاضحة، إن صح القول، وغير مقبولة أساءت بل قضت وخربت روح المعلم الأثري، لماذا؟!.

صيادو أرواد فقراء

عدد من الصيادين المشغولين بإصلاح شباكهم استعداداً لجولة جديدة مع الصيد البحري أكدوا أن البحر تحول إلى صحراء قاحلة بفعل استخدام الصيد بالديناميت الذي لايزال ينتشر بكثرة على شاطىء الحميدية جنوب طرطوس، وهي قضية قديمة جديدة، يقول خالد عثمان: إن الصيد تحول إلى نوع من ملء الوقت والتسلية، والعيش من تأجير شقتين في الجزيرة هما “شقى العمر”، وصيادو أرواد معظمهم  فقراء ويعيشون كأسر مستورة، ومالكو السفن قلة، ويفضلون البحارة الشباب للعمل على سفنهم، أما الكبار فلا مكان لهم بسبب صعوبة الأعمال البحرية، ورغم غلاء أسعار السمك، لكن الإنتاج قليل ولا يلبي متطلبات الصيادين وأسرهم!.

صناع القوارب

يقول عدنان بهلوان أحد العاملين الشباب في صناعة القوارب الأروادية:  إن عدد الورش التي لاتزال تعمل في صناعة قوارب الصيد تضاءل وتراجع إلى حد كبير، وفي الجزيرة ست ورشات من عائلة بهلوان وحمود تعمل في هذه الصنعة منذ سنوات طويلة، وعائلة حمود صنعت السفينة الفينيقية إبان الحرب على سورية التي حاكت مثيلاتها قبل أكثر من أربعة آلاف سنة، وافتتحتها السيدة أسماء الأسد معلنة بدء جولتها البحرية على خطا خطوط الملاحة البحرية التي كانت حينها، وعلى متنها عدد من الجنسيات العربية والأجنبية.

يقول “بهلوان”: إن كلفة إنجاز قارب صيد يصل إلى خمسة ملايين ليرة، بما فيها المحرك، ويمكنه في ورشته إنتاج قاربين فقط، ويتم تأمين الأخشاب عبر الطرق الرسمية، وكافة المواد مؤمنة ومتوفرة، فيما تقول الورشة المجاورة، وهي من عائلة بهلوان أيضاً، بأنها تستطيع إنتاج أربعة إلى ستة قوارب في العام.

الفندق السياحي المنتظر

سياحة طرطوس تقول على لسان مديرها م. يزن الشيخ: إنه تمت معالجة كل الإشكالات المتعلقة بمنح التراخيص اللازمة، وتم تسليم الموقع للشركة المستثمرة بانتظار انطلاق أعمال التنفيذ.

لكننا لم نجد، مع الأسف، أكثر من كومة أنقاض حولت الجهة الشمالية الشرقية من الجزيرة إلى مصدر للغبار والأتربة التي زادت من بشاعة المشاهدات المؤذية التي لا تنقص الجزيرة بالعموم!.

 

بقي أن نقول

إن جزيرة أرواد حظيت بعدد من المشروعات المهمة على مدى السنوات الماضية أمنت لها وصول مياه نبع السن عبر البحر بمشروع كلّف أكثر من مليون دولار، وبمشروع مماثل ربطها بالشبكة العامة للكهرباء عن طريق البحر بكلفة تجاوزت ثلاثة ملايين دولار حينها، وبمشروع ثالث آخر ربطها بشبكة الهاتف الأرضي العامة عبر كابلات بحرية، فهل يعقل أن تعجز السلطات المحلية في أرواد، ومحافظة طرطوس، عن تحويل جزيرة أرواد لتكون ابنة طرطوس المدللة، بما تمتلكه من معطيات أثرية وسياحية وجمالية وبحرية، وتعمل على ضبط إيقاع النظافة في جزيرة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة، لتكون كنزاً حقيقياً يرفد خزينة الدولة، ومصدراً ثراً من مصادر السياحة المحببة والمرغوبة على كل الصعد، أسوة بمثيلاتها من الجزر المتوسطية التي تدر ملايين الدولارات كل عام؟!.

إلى أن يتحقق ذلك سنتجرأ لنقول: لا تزوروا أرواد قبل أن تعود لأهلها وزائريها عروسة متوسطية يشتهي زيارتها القاصي والداني، ونشجعه على ذلك!.

وائل علي