أخبارصحيفة البعث

ما الذي يريده ترامب؟

 

تواصل الإدارة الأمريكية إنتاج الذرائع المتنوّعة لفرض عقوباتها أحادية الجانب على دول العالم، ففي مواجهة أوروبا والصين تتصدّر الذرائع الاقتصادية كالمنافسة غير الشريفة وحقوق الملكية والإغراق، وبشأن روسيا تتوزّع بين التدخل في الانتخابات الأمريكية والسير خلف الاتهامات البريطانية، ومع إيران يحضر الاتفاق النووي الذي أقنع العالم كله بما فيه واشنطن أوباما ولم يقنع ترامب، وعلى جميع الدول التي ترفض ذلك أن تتوقّع العقوبات نفسها مباشرة أو بالوكالة كما حدث مع كندا مثلاً.

وهنا تتبادر إلى الأذهان الطريقة التي تعاطت فيها الإدارة الأمريكية مع حلفائها الأوروبيين، حيث سعى الرئيس ترامب منذ انطلاق حملته الانتخابية إلى تحجيم الدور الأوروبي بإطلاقه شعار “أمريكا أولاً”، أي أن هذا الأمر سيسير كما خَطط له حتى لو اصطدم بأقرب الحلفاء، وهو في الحقيقة يتعامل معهم بوصفهم أتباعاً، ولا ينبغي لهم الاعتراض على سياساته.

ويبدو أن الشعور المتزايد لدى الأوساط الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية بقرب الهبوط من الذروة، هو الذي يحرّك هذه السياسات المتخبطة لدى الإدارة الأمريكية بشكل خاص، فبدلاً من أن تبحث عن حلول وسط مع الصين، تراهن على إخضاعها لشروطها التجارية المجحفة مستندة في ذلك إلى قوة عسكرية هائلة تظن إلى الآن أنها لا تزال تمتلكها، في الوقت الذي لا يشك أكثر المحللين العسكريين المتفائلين في العالم في أن قيادة العالم عسكرياً لم تعُد حكراً على واشنطن، بل تتقاسم الزعامة الآن مع مجموعة من الدول بينها الصين وروسيا، ما يعني أن الرهان على فرض قواعد تجارية جديدة على العالم بات صعباً، وينبغي على الإدارة الأمريكية أن تكون أكثر تعقّلاً في مقاربة الأمور، لأن العالم بدأ يتغيّر فعلاً وليس ممكناً العودة إلى نظام الأحادية القطبية، وهذا هو الأمر الذي ترفض الولايات المتحدة حتى الآن الاعتراف به أو تصديقه.

ومن هنا لا يمكن للمرء أن يفترض أن السياسة التي يتبعها ترامب في العالم جاءت عن جهل أو سوء تقدير كما يظن بعضهم، بل هي  عملية ممنهجة يتمّ من خلالها تدمير الاقتصاد العالمي بمجمله أو خلط جميع الاتفاقيات التجارية في العالم وإلغاؤها في محاولة لإعادة بناء هذه الاتفاقيات من جديد بما يخدم الحاجة الأمريكية، وذلك تماماً على طريقة الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد الدول والأنظمة التي لا تستطيع إخضاعها أو تشعر بالعجز عن إجبارها على تغيير سلوكها بما يخدم السياسة الأمريكية في السيطرة، فتعمل واشنطن على تدمير هذه الدول لإعادة بنائها من جديد بما يناسب حاجتها، وهذا هو بالضبط ما تحاوله إدارة ترامب عندما تعمد إلى التنصّل من الاتفاقيات التجارية الدولية أو فرض نظام الحمائية، وصولاً إلى إشعال حروب تجارية، ظناً منها أن ذلك سيتيح لها إقامة اتفاقيات جديدة تكون هي صاحبة اليد الطولى فيها، وأنى لها ذلك؟.

طلال الزعبي