ثقافةصحيفة البعث

“واقع الفن التشكيلي ومشكلاته” في ندوة

 

“واقع الفن التشكيلي ومشكلاته”عنوان ورقة العمل التي قدمها الزميل والفنان التشكيلي أكسم طلاع في الندوة التي أقامها المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي، بدأها بلمحة تاريخية عن الفنون البصرية ولوحة الحامل تحديداً باعتبارها منتجا وافدا على الثقافة العربية، دون النظر إلى الموروث البصري العربي، كونه لكل شعب مفرادته وأدواته البصرية، كما عرض لحقبة الرواد التشكيليين في سورية امتداداً إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي وإضاءة على المشهد التشكيلي في نهاية القرن وبداية القرن الحالي وصولاً إلى حال الواقع التشكيلي في ظروف الحرب.
وتحدث أيضاً عن المطبوعات المتخصصة التي تصدرها وزارة الثقافة وعن الأنشطة التقليدية التي ترعاها، والتي تتصف بالعراقة وعدم الانقطاع كمعرض الخريف السنوي، وعن محافل توفر اللوحة وعروضها (صالات العرض- الملتقيات- ورش العمل- المعارض الفردية)، وفي زاوية أخرى أشار إلى دور الدولة في رعاية ودعم الفنان التشكيلي من خلال اتحاد الفنانين التشكيليين الذي يشكل خيمة الفنان النقابية التي ترعى شؤونه، مشيراً إلى عدم غياب الفن التشكيلي عن الساحة الثقافية خلال فترة الحرب، فرغم خسارة العديد من الفنانين لمحترفاتهم شاركوا في الملتقيات الفنية وأقاموا المعارض بكثافة غير مسبوقة تأكيداً منهم أن هناك ما يستحق الحياة والدفاع عنها وعن قيم الجمال فيها.
وعن دور الناقد والصحفي في موازاة العمل الإبداعي تطرق “طلاع” إلى ضرورة تنظيم النشاط النقدي والصحفي خصوصاً، لجعله موازياً مكافئاً للقيمة الإبداعية بحيث يجب توفر الاختصاص عند الناقل الإعلامي، وضرورة التعاون بين المؤسسات الإعلامية وجمعية النقاد والباحثين التشكيليين في اتحاد الفنانين المعنية في صياغة رؤية نقدية موازية للعمل الفني، وجعله مكتسباً حقيقياً للهوية الوطنية وإطاراً إبداعياً بصرياً.
وعن أهمية الفن في توثيق التاريخ أورد مثالاً عن لوحة “الغرنيكا” لبيكاسو التي تمثل القرية الاسبانية التي دمرتها الحرب في إشارة إلى بشاعة الحرب والقتل، لكن التاريخ لم يحفظ القرية لولا هذه اللوحة المركونة في أروقة الأمم المتحدة حالياً.

القيمة الفنية
وتناولت المداخلات التي طرحت في الندوة دور المؤسسة الحزبية في إنتاج القيمة الفنية باعتبارها حاضنة سياسية للمبدع، وأيديولوجيا يسترشد بها الفنان أو يلتزم فيها، وتطرق بعضها إلى دور وزارة التربية والأسرة في تنشئة الجيل الجديد وتعريفه بالفن التشكيلي واللوحة، كما تساءل البعض عن نخبوية الفن التشكيلي وضرورة أن يكون جماهيرياً باعتباره مبعث تنوير وتربية للذائقة والحواس، وهناك من أشار إلى موضوع المبادرة التي يجب أن تتوفر عند الفنان ليتصدى لموضوعات تخص اللوحة بدءاً من الفكرة وانتهاءً بتسويقها بعد تحقيقها. كذلك اعتبر البعض أن المنظمات الشعبية مثل طلائع البعث والشبيبة وغيرها من المنظمات ساهمت في خلق جيل من الفنانين السوريين المميزين، في إشارة إلى أهمية المجتمعات المنظمة في العناية بمواهب أبنائها وتوجهيها، وتوجه رأي آخر إلى أن وظيفة الفن ملتبسة في أذهان الناس وهي أحد المشاكل الكبرى وملتبسة في أذهان القيمين والمسؤولين إن كان في المجال الثقافي أو في المجال السياسي، فهناك خلط كبير أحياناً حين ينظر إلى الفن كأداة لخدمة أهداف سياسية وأيديولوجية معينة، والمشكلة الأخطر من هذا أن الفن ولا سيما التشكيلي تواجهه معوقات كثيرة تمنعه من أن يتحول إلى فن قريب من الناس ولهذا يعتبر نخبويا، وتاريخياً عندما نعود للثقافة العربية نرى أن التشكيل ولا سميا الصورة لم تكن موجودة لأنها كانت محرمة ولازالت إلى اليوم ذهنية التحريم لها تأثيرها وتمتلك تابوهات كثيرة تفرض نفسها على الفنان.

مناخ مرحلة
والمشكلة الأخرى التي طرحتها المداخلات أن هناك نظرة للفن تطلب منه أن يكون امتدادا سياسيا وأحيانا مناخ المرحلة ذاته هو الذي يفرض نفسه على الفنان، فنحن في عصر الصورة ومع ذلك اللوحة التشكيلية لا تحضر بشكل فعال والسبب لأنها ليست فوتوغرافية ولا تنقل الواقع كما هو، وأيضاً هي ليست “بوستراً”يخدم غرضاً محدداً، إضافة إلى أنها آنية التأثير، أما اللوحة فتملك فعلاً محدداً وطويل المدى، لكنها لا يمكن أن تقوم بعمل البندقية ولا أن تقوم بفعل القلم فكل له دوره وفاعليته. بينما رأي آخر يرى أنه لا يوجد مجتمع أو فن أو أي عمل إلا وراءه أيديولوجيا ما، بمعنى أن منطق العمل من دون منهجية أو خلفية أيديولوجية غير ممكن، وطُرح تساؤل في الندوة حول دور وزارة الثقافة في خدمة الفنون والثقافة، فهي المسؤولة عن حماية التراث وتسويقه أيضاً، وبالتالي لكي يكون للفن التشكيلي قيمة مضافة يجب أن يكون هناك وسيلة تسويقية له وهي المعرض أو المتحف ويكون في حالة عالية من الجذب لكافة شرائح المجتمع.
ومن التساؤلات الأخرى التي طرحت من يصنع الفن شهرته وعمله أم مؤسسة ما هي التي تشهره؟ ومن وجهات النظر ما رأت أن الأعمال الفنية تحاط بهالة تسويقية يتقنها المقتني وأصحاب الصالات والمروجين لها، مما يشكل حالة من الغربة بين متلقٍ عابر ولوحة على الجدار تفرض عليه أسئلة الشك واليقين عن كون العمل ذو قيمة حقيقة أم لا؟.
وعقبت إحدى المداخلات على بعض الأفكار التي طرحت في الندوة مثل المجلات المتخصصة التي تصدرها وزارة الثقافة تتضمن موضوعات بأقلام نقاد متخصصون في الفن التشكيلي وليس بأقلام صحفيين، إضافة إلى أن الدور الذي يمكن أن يقوم به الإعلام بالنسبة للفن التشكيلي يقتصر على نشر الأخبار المتعلقة به من حيث إقامة المعارض وإجراء بعض الاستطلاعات حولها، أما أن فكرة نشر صورة لمعرض مقام في صالة ما على صفحات التواصل الاجتماعي تغني المتلقي عن زيارة المعرض غير مقنعة، لأنه كما يفترض أن مهمة وسيلة التواصل خدمة المعرض بالترويج لأن يكون له طقسه الخاص الفني والاجتماعي الذي يشجع الناس على زيارة المعرض والاطلاع على اللوحات عن قرب مثله مثل السينما والمسرح.
عُلا أحمد