ثقافةصحيفة البعث

وقعت كتابها “أعلام من الإعلام- محطات ورؤى” د. أمل ملحم: أسعى إلى ترسيخ إنسانية الرسالة الإعلامية

مع أنه لقائي الأول مع د. أمل ملحم، إلا أن ما تتمتع به من دماثة الروح وعذوبة الحضور، بدَّد حالة التكلف التي كان يمكن أن ترسم ملامح لقاءنا، فكان أقرب للبوح منه للقاء الصحفي الذي تحكمه طبيعة الأسئلة والأجوبة المقتضبة، حيث التقيتها أثناء زيارتها لدمشق على هامش توقيع كتابها “أعلام من الإعلام- محطات ورؤى” الذي يضم نخبة مميزة من الإعلاميين على مستوى الوطن العربي، وهي – كما تقول – فكرة غير مألوفة، إذ يمكننا اعتباره  مجموعة كتب في كتاب، بمعنى أن كل إعلامي مشارك في هذا الكتاب هو كتاب بحد ذاته، طبعاً مشاكل الإعلام وهمومه والتحديات التي يواجهها كانت هي البوابة التي ولدت فكرة أن نتميز ونجمع هذه النخبة من الإعلاميين من كل الوطن العربي الذين كان لهم كلمة مسموعة وقلم مقروء، وقفتنا الأولى مع د.أمل كانت عن بداياتها مع الإعلام ومراحل تطور تجربتها فأجابت:

حكايتي مع الإعلام مزيج من شغف وعشق وشقاء بدأت منذ الطفولة واستمرت في المراحل العمرية اللاحقة، واقترنت شخصيتي بحب الإعلام والسفر والتواصل مع الآخرين وتحليل الأمور الحياتية اليومية والوقوف عند التفاصيل والاختلاط بالأكبر مني سناً وخبرة، وبمرور الوقت أدركت أن الإعلام هو العين الرقيبة لكل شيء، ومن خلاله أتعرف إلى أحوال الناس وهمومهم والتعامل معها بايجابية، وتعلمت أن الإعلام الصحيح يرسّخ في الإنسان الصدق والتسامح والإحساس بالآخر، وهي أمور تربيت عليها منذ طفولتي وتعكس البيئة الطيبة التي نشأت فيها. وأثناء المرحلة الثانوية كنت أستمع بشغف إلى إذاعتي “BBC” ومونت كارلو الدوليتين، وكنت أتمنى أن أكون في هذه المواقع، وبعد حصولي على الثانوية العامة انتسبت إلى الجامعة ودرست في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في اللاذقية، وقبل تخرجي بعام تقدمت لمسابقة تقيمها الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بدمشق، فشاركت فيها مع مجموعة كبيرة من المتقدمين لهذه المنافسة، وقُبلت فيها ومنها كانت انطلاقتي في الإعلام، وكانت أول الحكايات التي رسخت إيماني بدور القدر في تسيير أمور حياتنا.

كانت أحلامي في ذاك الوقت العمل في تلفزيون دمشق، لكن القدر كان له رأي آخر حيث تعرفت على زوجي الطبيب صخر الأزكي والذي مجاله يختلف كلياً عن مجالي الإعلامي، فسافرت معه إلى الإمارات وتركت حلمي بالتلفزيون السوري.

مجاورة الكبار

كل هذه الأحلام التي رافقتها من الطفولة تحققت لها بترتيب من القدر يدعمه اجتهادها وسعيها لتحقيق هذه الأحلام، وعن انطلاقتها الأهم تحدثت أمل: انطلاقتي القوية في الإعلام كانت من أبو ظبي أكاديمياً وعملياً، إذ عملت في الراديو أف أم حوالي عشر سنوات، وميزته أنه ليس كباقي المحطات، هناك مرونة في التعاطي، والجميل أنه لم يكن تعاملي مع إعلام محلي وعلى نطاق ضيق، بل كانت هناك مدارس متنوعة في الإعلام، وحاورت قامات إعلامية كبيرة، فكان من الطبيعي اكتساب خبرات من الكبار الذين ساعدتني الظروف على التواجد بينهم، كما أن المطبخ الإعلامي كان كبيراً وهذا ما جعل نظرتي للإعلام تختلف عن أي شخص آخر، كما أن سفري إلى كندا وسّع الأفاق أمامي، فهناك تعلمت طريقة تعاطي الأجانب مع الإعلام فهم بسيطون وشفافون، وهذه البيئة الفريدة كانت أكبر حافز لتقوية مهاراتي الذاتية بالدراسة الأكاديمية، وبالفعل حصلت على درجة الماجستير ثم الدكتوراه عام 2006 بعنوان: “الإعلام والاتصال الجماهيري” وكانت من أهم الخطوات في حياتي ومثلت تحدياً كبيراً وسط زخم من مشاغل الحياة وأعبائها اليومية.

وتتابع د. أمل حديثها عن تطور تجربتها قائلة: جاءت الفرصة لتطبيق ما تعلمته خلال دراستي العليا حين بدأت التردد بانتظام على كل من المركز العربي الإعلامي بجامعة ويست منيستر، والمركز البريطاني لدراسات الشرق الأوسط في جامعة كامبردج بلندن، وحضور كثير من المؤتمرات الحوارية بين الإعلام الغربي والشرقي، واكتسبت خلال هذا النشاط المكثف خبرة واسعة في العمل الإعلامي من منظور دولي، وطالعت عن قرب رؤى بعض المؤسسات الغربية لعالمنا العربي والإسلامي، وعقب عام 2011 بدأت العمل في جامعة أبو ظبي كأستاذة محاضرة وقمت بتدريس مادتين، ثم انتقلت للعمل في كلية الإمارات للإعلام، وتركز عملي لاحقاً في مجال التدريب الإعلامي للعاملين في أقسام العلاقات العامة والإعلام في المؤسسات الحكومية والهيئات، بهدف زيادة قدرتهم على الترويج للمؤسسات التابعين لها من خلال التواصل مع الإعلام، وفي الفترة الأخيرة انتقلت إلى سياق آخر في مجال التدريب الإعلامي، وهو تدريب الضيوف على الوقوف أمام الكاميرا والحديث باقتدار وإجراء مقابلات تلفزيونية ناجحة، وتدريب طلاب الإعلام من الخريجين الجدد، ومن التجارب التي لا أنساها تدريس الجانب العملي لمادة “فن الحوار الإذاعي والتلفزيوني” في قسم الإعلام بجامعة دمشق، وإلقاء محاضرات في نادي المراسلين بدمشق الذي شهد تجربة ثرية مع المشاركين هناك، وخاصة بوجود الإعلامية المميزة ميساء نعامة المشرفة على النادي.

وعن دورها كمواطنة سورية وإعلامية تقيم في الخارج ورسالتها خلال سنوات الحرب على سورية قالت:

خلال سنوات عملي سعيت إلى ترسيخ إنسانية الرسالة الإعلامية في طريق مليء بالتحديات خاصة مع التنقل بين ثلاث دول: سورية- الإمارات- كندا- ووسائل الإعلام لها تأثير بالغ على المجتمعات بسبب ما تقدمه من معلومات على مدار الساعة، وهنا تظهر أهمية المعلومات الصحيحة والحقائق التي تزود بها الجماهير، فالإعلام يصنع العقول ويحركها ويغيّر اتجاهات الأفراد، كما يصنع الأحداث والأخبار ويخطو بالدول والشعوب إلى الأمام، ولا يخفى على أحد أن هذا التأثير الإعلامي يتطلب من العاملين فيه متابعة كل وسائل المعرفة المتاحة حتى تنضج أفكارهم ويكتسبون مزيداً من الخبرة، لأن الإعلام يخاطب مجتمعات تتباين فيها الفلسفات والأفكار والخبرات، ويحمل رسائل موجهة لكل الشرائح والعقليات والأنماط، وليس من الطبيعي أن يكون الإعلام بهذا القدر من القوة والتأثير في المجتمعات، ولا يكون العاملون فيه على القدر ذاته من الكفاءة المهنية التي تخولهم تأدية مهامهم بكل أمانة وشفافية، وهذا ما عملت عليه، فالإعلام يلعب دوراً محورياً في مواجهة المخاطر المحيطة بالمجتمعات، وخاصة في عصرنا الحالي.

صحافة المواطن

ولأن ما ينتجه الإعلام يصدر عن تصورات وأفكار ومبادئ تعمل على إحداث تغيير مقصود في المجتمع المستهدف عبر وسائل الاتصال المتعددة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، فلم يعد هناك اختلاف على الدور الخطير الذي تقوم به وسائل الإعلام في تغيير سلوكيات الشعوب، وخاصة ما أصبح يطلق عليه لقب المواطن الصحفي أو الصحفي المواطن، فتتحدث عن هذه الظاهرة قائلة:

الصحافي المواطن مولود يتطور يوماً بعد يوم مع التوسع الهائل في أعداد المتابعين لكل ما تأتي به الشبكة العنكبوتية، وأصبحت المراهنة على الصحافي المواطن كبيرة جداً في قلب المفاهيم والتصورات التي تعلمناها وعرفناها عن الإعلام التقليدي، فهذا النمط من الإعلاميين الجدد لايحتاج سوى هاتف جوال ثم يذهب إلى موقع الحدث يقتنص الأخبار يصورها ويجري لقاءات، ثم يرسل لقطات الفيديو في الانترنت ويتحول إلى شخص ذائع الصيت ويعامله البعض بوصفه إعلامياً محترفاً، وهنا تظهر الخطورة ومدى مصداقية هذا الشخص وحرصه على المعلومة والخبر فيتباين التأثير بين الايجابي في سرعة المعلومة والسلبي بإرسال المعلومة المغلوطة، لذلك يمكن اعتبار مصطلح المواطن الصحافي مصطلحاً انفجارياً له أدبياته الواجب التعامل معها بحذر، خاصة وأنه برز بشكل كبير في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011 حتى الآن، حيث رأينا هذه الصحافة لاتلتزم بأي من الشروط المتعارف عليها مثل تبعيتها لنقابة معينة أو انتماءها لمؤسسة ما أو حصول الصحفي على شهادة جامعية بهذا التخصص. هذه الصحافة أتاحت الفرصة أمام الملايين من الناس في أرجاء العالم لنقل أخبار وتوضيح حقائق ونشر معلومات، ولكن من دون أي رقابة مسبقة أو ملحقة والتي تؤكد أن الصحافة لم تعد مهنة نخبوية لأن أي مواطن في العصر الحالي يستطيع أن يعمل صحافياً عبر امتلاكه لوسائل التكنولوجيا الحديثة التي تتيح له دخول شبكة الانترنت.

من هنا تأتي أهمية التركيز على الرسالة والأبعاد الإنسانية للإعلام لأنها وبلاشك ستلعب دوراً في تصحيح الكثير من المغالطات التي يبثها المتطرفون، ودور الإعلام لايقتصر فقط على التعريف بقضايا العصر ومشكلاته، وإنما يهتم بكيفية معالجة هذه القضايا، والحفاظ على القيم الإنسانية وإعلاء شأنها في المجتمعات ونشرها بين أفرادها، لنسلط الضوء على الإعلاميين الموجودين في مناطق النزاعات والحروب لأنهم وبلا شك مرآة عاكسة لكل ما يدور في الميدان، والمسؤولية العظمى تقع على عاتقهم ومن واجبهم المهني والإنساني نقل الحقيقة دون تحريف، لأن الانتماء يجب أن يكون للحقيقة أولاً وأخيراً. هم جنود في خط المواجهة الأول مع الحدث ليحولوا هذا الحدث المهم إلى خبر للناس والجمهور.

الإعلام والتعليم

وترى د. أمل أن الإعلام الفعال في المجتمع عليه القيام بدوره في نشر الوعي من خلال وسائله في إطار الفكر العالمي كي نفهم الآخر وكيف يفكر، ومسؤولية الإعلام هنا حمل رسالة تعايش ديني وإعلاء قيمة الأمن والأمان، وحتى يتحقق كل هذا من الضروري أن يكون القائمون على المؤسسات الإعلامية من أهل الاختصاص، وهنا يجب التمييز بين الإعلام الهادف للخير والبناء، والآخر الذي يهدف إلى الدمار والتسلل داخل فئات المجتمع والسيطرة عليها وإحكام القبضة على عقولها وعواطفها ليضعها على طريق التطرف والشر والفساد، إضافة إلى أن المهمة الأساسية للإعلام هي تحقيق التواصل بين الناس في كل بقاع الأرض وإرسال الأخبار والتبليغ عن كل الوقائع والأحداث، وحتى نصل إلى إعلام حر وإيجابي لابد من سياسات إعلامية تربط بين وسائل الإعلام المختلفة وأهداف وغايات ومتطلبات المجتمع الثقافية والاقتصادية والسياسية، ونحن الآن نعيش في فوضى إعلامية سمحت بتسرب ودخول قوى خارجية هدفها غير نبيل، وتسعى إلى السيطرة على الإعلام العربي وإدخال مفاهيم خاطئة انتشرت بسرعة البرق خاصة بين جيل الشباب عبر الإعلام الحديث، لذلك من المهام الأولى للإعلام العربي تسليح الشباب بنشر الوعي والثقافة ومبادئ الصدق والإخلاص والعلم، حتى يصبح حائطاً متيناً ضد قوى الشر الخارجية.

واقترحت د. أمل إيجاد ميثاق إعلامي عربي كبير يكون مرجعاً تعود إليه كل المؤسسات الإعلامية والإعلاميين، ويمثل مظلة إعلامية واسعة تضم مواثيق الشرف الإعلامية المختلفة بكل دولة، وبذلك نتجنب الفوضى الإعلامية ونرى سلطة إعلامية عليا يخاف منها الجميع ويحسب لها حساباً، وبالتالي يستطيع الإعلام القيام بمسؤوليته الايجابية في المجتمع وهذا يتطلب الاهتمام بالتدريب المهني على تقنيات وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة لطلاب الإعلام في الجامعات والمعاهد لأن الطلاب في الوقت الراهن يمارسون الإعلام بشكل نظري، ومن النقاط التي أشدد عليها ضرورة إشراك طلبة الإعلام بوضع خطط إعلامية تعالج مشكلات المجتمع الراهنة، وعبر هذه المشاركة يتولد لديهم الانتماء وتحفيزهم للانخراط بقضايا وهموم وأفكار المجتمع.

بصمة العطاء

ويطالع القارئ بصمة كبيرة على الغلاف الأول للكتاب تمثل بصمات الإعلاميين المشاركين فيه ككل، وبصمة صغيرة على الغلاف الأخير تمثل هوية كل إعلامي على حدة، وعن هذه البصمة وماذا تعني تحدثت أمل: هي بصمة كل إنسان حر، البصمة لها مغزى عميق جداً، هي مرآة تعكس الحقيقة الصافية والصادقة لكل إعلامي حر مؤمن بكلمته، لكل إعلامي له رؤية بعيدة المدى، لكل إعلامي نجح بترك أثر إيجابي في المجتمع الذي يعيش فيه وينتمي إليه، وما أتمناه أن يكون لنا جميعاً بصمتنا في هذه الحياة.

سلوى عباس