الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

ولنا في الرائحة حياة

 

كثيراً ما عرفت الأشياء عن طريق رائحتها، حساً وتميزاً، فمنذ زمن ليس بالقريب، لم أعد أعاني من فرط في نسيان الأشياء والأحداث، فربما من غضب الرب أو الحياة، حلت عليّ نقمة التذكر، فالرائحة بدأت تأخذ مجراها العميق في ذلك، ابتداء من لغز الطبيعة بمفرداتها وتفاصيلها الغريبة، وانتهاء بأي تفصيل.

للأرض رائحة وللمطر رائحة، وعندما يتعانقان تُخلق رائحة أخرى مختلفة، عصية على الوصف.

للشجر وللسهول المفروشة بالعشب رائحة أيضاً، لسنابل الحنطة والشعير في البيدر، رائحة الخير والنعمة، الأنثى كما الورد لأجلهما خلقت وسخرت الرائحة بأطيب أنواعها، الأنثى خلقت من طيب ورياحين.

مهما اختبأنا من درب الأقدار، ستعثر علينا ولو بعد حين، رائحة مواسم الحب الأولى، وطعم التفاح ورائحته في القبلة الأولى.. أما رائحة الحزن، فهي عصارة كل الروائح على الإطلاق، فللحزن رائحة تنهش الروح وتقودك من عنق قلبك إلى البعيد، حيث لا باب يفتح، ولا صدى يوصل..!

لتلاقي النظرات والسلام رائحة الطيور الهائمة على وجه زرقة السماء، تنتقل بفرح وحرية من الشمال إلى الجنوب، ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، لا جواز سفر يقيدها ولا أسماء، فيرفرف معها قلبي المعلق بأطراف أجنحتها.

للكلمة رائحة بوجهين أو أكثر، إما أن تعرّش كدالية على شغاف القلب، وإما أن تهبط بك وبكل تاريخك إلى سابع أرض.

لا شيء يشبه رائحة الحرب، وقد عُجنت من بارود ودم ودموع وظلم وموت، رائحة احتراق القلوب على ذكرى أحباب غابوا أو غيبوا أو تمنوا الغياب. ولتعاقب الفصول رائحة لا تحول ولا تزول، تركض مع الأوراق الصفراء في أزقة العمر في كل الأوقات.

وحنيني لذاك البعيد رائحته لها صدى ورجع صدى، كلما غنت فيروز (رجع أيلول وأنت بعيد.. بغيمة حزينة قمرها وحيد..)..!

لينا أحمد نبيعة