صحيفة البعثمحليات

إصلاح الرّواتب للمرّة الألف..!؟

 

في زحمة نقاشات البحث عن مفازات وسبل تحسين الواقع المعيشي للمواطن، وبالنّظر لحجم الفجوة السّحيق بين الرّواتب والأجور من جهة؛ وبين تكاليف المعيشة وسُعار الأسعار التي أنهكت ذوي الدّخل المحدود من جهة أخرى؛ فضلاً عن أنّ المهن الحرّة جميعها واكبت سعر الصّرف بأجورها، بينما رواتب ذوي الدّخل المحدود بقيت في العراء، ولم تعُد أية زيادة قادرة على ردم تلكم الفجوة!
فإنّ ثمّة أكاديميّين اقتصاديّين يدعوننا إلى إعادة قراءة تصريح وزير ماليتنا الذي قال ذات يوم غير بعيد، في خضمّ عرضه لمآثر الحكومة ومناقبيّتها: (تدفع الحكومة كلّ صباح 4 مليارات ليرة لدعم الخبز والكهرباء والمشتقّات النفطيّة). ما يعني بحسبةٍ بسيطة: أنّ مبلغ الدّعم يلامس 1460 مليار ليرة بالسّنة من أصل إجمالي الموازنة العامّة البالغ 3187 ملياراً، أي 45% منها.
لنستنبط من إعادة القراءة: السّؤال: هل من العدالة بمكان؛ توزيع الدّعم بهذه الطّريقة المُجحفة: “من يستهلك طاقة ومشتقات أكثر؛ يحظى بدعم أكبر”!؟ أي إنّ جُلّ هذا الدّعم يذهب لجيوب كبار مستهلكي حوامل الطاقة بأنواعها من أصحاب مصانع وأرباب عمل وفعاليّات اقتصادية..!؟ لنخلُص إلى ما مفاده: بما أنّ الدّعم تعبيرٌ عن “أبويّة” الدّولة؛ فإلغاؤه وإصلاح الرّواتب بمبالغه؛ خيرٌ من الإبقاء على توزيعه بشكلٍ جائرٍ ومُشوّهٍ لصورة الأب (الدّولة)..!
ومن البديهيّ والمتوقّع ههنا: تشبّث الشّريحة الأضيق، والأكثر استفادةً، من هذا الدّعم به؛ تخوّفاً من رحيله، بدلاً من التّرحيب بإعادة توزيعه على الجميع وبعدالة..!
وإذا ما علمنا أنّ الدّعم الحكوميّ بالتّعريف: يهدف إلى التّصدي لخلل آنيّ، في قطاع ما، وتمكين الفئات الأقل دخلاً من الحصول على السّلع والخدمات الأساسيّة عبر خفض أسعارها، وفقَ آلية تقوم على تسديد خزينة الدّولة للفارق بين السّعر الحقيقي للمنتج أو الخدمة، وبين السّعر الذي يُحدّد تماشياً مع مستويات الدّخل الدّنيا، وهو ما يُسمى بالدّعم المباشر.
وأنّ الدّعم ليس هدفاً لذاته، وإنّما هو آلية لحفظ التّوازنات الاجتماعيّة كمدخلٍ أوليّ إلى تقليص الفوارق في الدّخل، بما يمكّن من الانتعاش الاقتصادي الشّامل، والمقاربة بين مستويات الدّخل؛ عبر تمكين الفئات الأقلّ دخلاً من الحصول على السّلع والخدمات الأساسيّة من خلال خفض أسعارها.
يغدو من السّهل إدراك حجم الانحرافات والانزياحات الهائلة بين النّظريّة وبين تطبيق المفهوم، وبالتّالي كم الصّعوبات والمعوّقات التي تحول دون العودة به إلى السّمت الصّحيح: ما يجعل إلغاؤه أسهل بما لا يقاس من تصويب مساره، في غمرة العضّ بالنّواجذ عليه من كبار المستفيدين منه، الذين يتشبثون به بكلّ ما أوتوا من تشابك مصالح وقوّة نفوذ..!؟
وفي المحصلة، نجد أنَّ النّسبة الكبرى من مخصّصات الدّعم تذهب لصالح الفئات الأقلّ حاجة إليها. وقد استبدَّ هذا الإشكال تحديداً باهتمام أصحاب القرار في عدد لا بأس به من الدّول التي قامت بإصلاح صناديق الدّعم الحكوميّة لديها، وحلّت الإشكال بإعداد لوائح على قاعدة الرّقم الوطنيّ مكَّنت من تحديد المستفيدين بالأسماء، وتزويدهم ببطاقات إلكترونيّة يُقدمونها عند شرائهم السّلع المدعومة. فيما عمدت بلدان أخرى إلى حلّ مؤقت عبر فرض تعويضات على المستهلكين الكبار للسّلع الاستهلاكيّة الأساسيّة. في حين لجأت بعض الدّول إلى نظام المقايسة وتسعير السّلعة وفقاً لتقلّبات السّوق الدّولية برفع الدّعم الحكومي عن حوامل الطّاقة.
والحال أنّ أهل الاقتصاد يُجمعون على أنَّ الدّعم الحكوميّ ولاسيّما المباشر والمستمر منه؛ يُفترض أن يكون مرحلة انتقاليّة تنتهي برفعه، تمكيناً لفتح آفاق الانتعاش الاقتصادي الكلّي، والمرتكز على الاستهلاك كمدخلٍ أساسٍ إليه، فالدّعم يحدّ كثيراً من الاستهلاك، ورفعه مع إعادة توزيع مبالغه بعدالة على الجميع؛ ولاسيما ذوي الدّخل المحدود؛ هو أقصر الطّرق على الإطلاق لتحقيق دورة حياة اقتصاد معافى، خالية من الحيف والغبن..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com