دراساتصحيفة البعث

أوروبا تناور.. وترامب يقامر

طلال الزعبي
يلاحظ المتتبع لسياسات الدول الأوروبية المنخرطة في التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، أنها لا تزال تفتش عن الذرائع والحيل لتبرير السلبية التي تمارسها إزاء انسحاب واشنطن من معاهدة دولية اكتسبت صفة أممية بإقرارها في مجلس الأمن.
فمن يراقب سلوك هذه الدول إزاء الحفاظ على “الاتفاق النووي” مع إيران، يجد أنها لم تبذل الجهد الكافي في سبيل المحافظة على الاتفاق، ويبدو أن هذا الأمر متفق عليه سلفاً مع واشنطن، حيث تقوم الأخيرة بتمهيد الطريق أمام هذه الدول للتنصل على الأرض من هذا الاتفاق من خلال فرض عقوبات على الشركات الأوروبية أو الكيانات التي تستثمر في إيران أو تربطها علاقات تجارية معها، بينما تعلن هذه الدول أنها لا تستطيع أن تمنع شركاتها من اتخاذ الخيارات التي تناسبها، في الوقت الذي لا تزال فيه تسوّق إعلامياً حرصها على الالتزام بهذا الاتفاق ما التزمت به إيران، فما معنى ذلك؟.
في الحقيقة، لا يمكننا أن نفترض أن الدول الأوروبية، تستطيع أن تستبدل علاقاتها بواشنطن بعلاقات مع طهران، هذا الأمر مستبعد طبعاً، ولكننا هنا أمام اتفاقية دولية أقرّت في مجلس الأمن، وأغلب الدول التي وقّعت عليها دائمة العضوية في المجلس، وينبغي أن تكون هذه الدول هي الأشد حرصاً على الحفاظ على هذه الاتفاقيات، ما يعني أنها ينبغي أن تعارض بقوة خروج أي طرف من هذا الاتفاق، وبالتالي نقول: إذا لم تستطع الدول الأوروبية تأمين مصالح إيران التي ضمنها لها الاتفاق، فعليها أن تعلن صراحة أنها لا تستطيع أن تلوم إيران إذا ما قرّرت التخلي عن هذا الاتفاق، والعودة إلى تخصيب اليورانيوم، لأن الاتفاق جاء فعلياً لتقديم بديل لإيران من هذا التخصيب، وسقوطه ينبغي أن يؤدي تلقائياً إلى العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل ذلك.
من هنا لا بدّ من ملاحظة الأسلوب الذي تتعاطى به الدول الغربية مع المخالفة الصريحة التي ارتكبتها واشنطن بالخروج من هذا الاتفاق، حيث لا يزال الردّ الغربي على ذلك محصوراً بالرفض إعلامياً، ما يعني أن الدول الأوروبية تحاول أن تقنع إيران بالبقاء في هذا الاتفاق مع أنها لم تقدّم عملياً ما يدفعها إلى التمسك به، وهذا الأمر ربما يكون مناورة أوروبية بالاتفاق مع الولايات المتحدة على تفريغ الاتفاق النووي من مضمونه عبر سحب جميع المميزات التي حصلت عليها إيران من الاتفاق، وإعلان أوروبا في الوقت ذاته عجزها عن منع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الانسحاب منه، أي الوصول بإيران إلى الخروج من الاتفاق بنفسها وإعلان فشله نهائياً، وهذا ما لم تقم به طهران حتى الآن.
في المحصلة، ترامب يحاول القول من خلال الانسحاب من الاتفاق، بالتزامن مع مفاوضات يجريها مع بيونغ يانغ إنه يستطيع جرّ إيران إلى اتفاق نووي جديد أفضل من الذي وقّعه سلفه باراك أوباما، لتحقيق نصر شخصي أو لإبراز خدماته للوبي الصهيوني الذي جاء به إلى السلطة، ويستخدم في سبيل ذلك بروباغندا إعلامية يوحي من خلالها أنه أجبر نظيره الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون على التفاوض بشأن البرنامج النووي الكوري الديمقراطي، ولكن الجمهورية الإسلامية رفضت ذلك، وأكدت أن برنامجها النووي غير قابل للتفاوض مرة ثانية، ولن تُضاف إليه بنود أخرى، وعلى ترامب أن يقبل به كما هو، وأنها لن تتفاوض في ذلك مع أي مسؤول أمريكي لأن واشنطن لا تلتزم بتعهداتها، والأهم أنها لا تنتظر من الدول الأوروبية أكثر مما قدّمته، في إشارة ربما منه إلى وجود مثل هذا السيناريو، ولذلك تصر إيران حالياً على أن يقدّم الأوروبيون شيئاً على الأرض يؤكد التزامهم بهذا الاتفاق، ولن يكون أقل من أن تغطي هذه الدول غياب واشنطن عن الاتفاق، وإلّا فإن الأمر لن يطول قبل أن تعلن إيران ذاتها أن هذا الاتفاق وُلد ميّتاً، وتسلك الطريق الآخر.