دراساتصحيفة البعث

أمريكا تدفع إيران إلى طاولة التفاوض

 

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع مجلة أفريقيا- آسيا 5/9/2018

تربط سورية وإيران علاقات إستراتيجية وطيدة تثير قلق الولايات المتحدة و”إسرائيل”، الأمر الذي يدفع واشنطن للاستمرار في  القيام باستفزازات ضد سورية وروسيا، ويدفع وزير الخارجية الأمريكي إلى التهديد بالردّ القاسي “إذا استخدمت الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية في إدلب”. والسؤال المطروح الآن: لماذا يستخدم الجيش السوري الأسلحة الكيميائية في معركته الأخيرة، وهو الذي حقّق انتصارات كبيرة ضد الإرهابيين في دوما ودرعا وحلب والجنوب السوري بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء؟!.

صرّحت السلطات السورية بأن تركيا فشلت حتى الآن في السيطرة على “حركة الشام- النصرة سابقاً” أو دمجها مع وكلائها الآخرين في إدلب، فيما أعطت روسيا أنقرة  ما يكفي من الوقت رداً على طلب تركيا تأجيل الهجوم على إدلب. كل ما تمكّنت تركيا من فعله هو العمل مع روسيا لتهيئة بيئة مواتية للمصالحة ورحيل أولئك الذين يريدون مغادرة المدينة إلى المناطق الخاضعة للسيطرة السورية. هذا لم يمنع الإرهابيين من اعتقال المئات من سكان المدينة ومنعهم من مغادرتها لاستخدامهم كدروع بشرية، ولإجبار وسائل الإعلام الغربية على الضغط أكثر من أجل التدخل الأجنبي لمنع الجيش السوري من تحرير إدلب.

مؤخراً اجتمع وكلاء عن المخابرات في أنقرة مع المستشارين الروس لإعطائهم جميع المواقع التركية ومواقع حلفائهم في المدينة، وكذلك لمعرفة  مواقف جميع الإرهابيين الذين يرفضون إلقاء أسلحتهم، وقد وافقت تركيا على العملية العسكرية في إدلب للقضاء على “جبهة النصرة”
والفصائل الإرهابية الأخرى المتمركزة فيها. في السياق نفسه، يقوم الجيش السوري بشنّ غارات مكثفة على ريفي اللاذقية وإدلب حتى تتمكّن الحكومة السورية من السيطرة على جميع أراضيها دون استثناء. وفي حال تمّ تحرير إدلب، فستصبح الولايات المتحدة القوة المحتلة الوحيدة المتبقية، عندها لن يكون هناك أي مبرر شرعي لبقائها في البلاد وستواجه انتقادات شديدة من المجتمع الدولي ومن الأمم المتحدة.

خلال الحرب السورية، قامت طائرات أمريكية من دون طيار بتصفية العديد من العناصر المهمّة في “تنظيم القاعدة” في إدلب، منهم “أبو الخير المصري، محسن الفضلي” وآخرون، كما اكتشفت الولايات المتحدة أن مجموعة خراسان الخطرة قد أنشأت مركزها التشغيلي هناك، لماذا تدافع واشنطن الآن إذاً عن إرهابيي إدلب؟!.

حقيقةً، لا تهتم الولايات المتحدة لا بـ إدلب ولا بشعبها، وهي  المسؤولة عن مقتل مئات الآلاف من المدنيين في العراق من عام 1991 إلى عام 2017، فلن تستيقظ بين عشية وضحاها مع أزمة ضمير وقلق إنساني، إضافة إلى ضلوعها  في الرعب الكارثي الذي يحدث في اليمن، حيث تتحمّل الولايات المتحدة وحلفاؤها مسؤولية استهداف ملايين المدنيين، وقد أدانت الأمم المتحدة هذه الجرائم. وعليه، للولايات المتحدة أهداف أخرى هي:

– تريد الحدّ من قدرة الجيش السوري وتدمير البنية التحتية بشكل أكبر، بحيث تكون تكلفة إعادة البناء أعلى بكثير بالنسبة لسورية وحلفائها.

– كما تريد الولايات المتحدة إجبار روسيا وإيران على التفاوض في جنيف “بدلاً من أستانا” حول سورية  والعراق، بعدما أخفقت في تحقيق هدفها من هذه الحرب المتمثل في تغيير نظام الحكم في سورية. بل على العكس  أوجدت سبع سنوات من الحرب ذات العواقب المدمّرة على المشرق علاقة قوية بين سورية وإيران وحزب الله. كما وقّعت الحكومة السورية اتفاقية دفاعية مع طهران تلتزم بموجبها إيران بإعادة بناء الجيش السوري  وتوفير التكنولوجيا العسكرية المتقدمة له، إذ تدرك الحكومة السورية الحاجة إلى بناء قوات محلية جديدة لمواجهة التكفيريين والردّ على العدوان “الإسرائيلي” المحتمل.

لا يبدو أن مصدر القلق الرئيسي للولايات المتحدة هو “إسرائيل” ومرتفعات الجولان المحتلة. ففي اجتماع لسفراء روسيا وممثليها الدائمين في تموز عام 2018، أعلن فلاديمير بوتين أن “الإدارة الأمريكية مستعدة للتضحية بمصالح حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط، ولاسيما مصالح “إسرائيل”، وهي على استعداد للتضحية حتى بسلامتهم.

يبدو أن الولايات المتحدة لا تعرف ما هي احتياجاتها في هذا الجزء من الشرق الأوسط. لقد هزّت سياستهم روسيا وأخرجت الدب الروسي من سباته الطويل. تصل روسيا بوتين إلى ما وراء بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وأفغانستان للوصول إلى تركيا وأوروبا وأجزاء أخرى كثيرة من العالم، لقد أصبحت روسيا كابوساً اقتصادياً يثقل على صدر الولايات المتحدة بسبب تحالفاتها القوية مع الصين وإيران وتركيا. إن المحظورات التي يفرضها  ترامب تدفع العالم للبحث عن بديل.

في غضون ذلك، تستعد إيران لمواجهة حظر يمتد لسنوات عدة، دون أي  نيّة للتحدث مع الإدارة الأمريكية طالما بقي ترامب في السلطة. وعلى الرغم من تهديدات ترامب، فإن معركة إدلب واللاذقية باتت قاب قوسين أو أدنى، وقرار الحسم اتخذته الحكومة السورية وروسيا ولا تراجع عنه مهما كانت الأسباب.