دراساتصحيفة البعث

بومبيو يضغط للجوء إلى الدبلوماسية في إدلب!

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع سبوتنك 5/9/ 2018

قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخراً إنه يشاطر روسيا قلقها من أن تكون محافظة إدلب السورية ملاذاً للإرهابيين، لكنه، مع ذلك يحثّ على الحل بالطرق الدبلوماسية، ويبدو أن الهدف من ضغط بومبيو نحو الحل الدبلوماسي المزيد من التضليل فقط!.

لماذا لم يفكر الأمريكيون في الدبلوماسية عندما قامت طائراتهم الحربية بمحو مدينة الرقة السورية، مخلفة آلاف القتلى من المدنيين الذين تحولوا إلى أشلاء في العام المنصرم؟، وعلى الرغم من كل المجازر سمحت القوات الأمريكية للجماعات الإرهابية بالمرور الآمن من الرقة لإعادة تجميع صفوفها في أماكن أخرى في سورية.

تعاني دعوة بومبيو المتأخرة للدبلوماسية من عجز كبير في المصداقية. إنه بومبيو ذاته الذي قال عنه رئيس وكالة الاستخبارات المركزية السابق، يوماً، إنه يريد أن تصبح وكالة التجسّس الخارجة عن القانون الأكثر شراسة في استخدام أساليب العنف الذي يحدث خارج نطاق القضاء.

كما برّر بومبيو في وقت سابق استخدام التعذيب ضد المشتبه بتورطهم في أعمال إرهابية، وعلى الرغم من انتهاك القانون الدولي، قال خلال زيارته لمعسكر الاعتقال في خليج غوانتانامو الذي تديره الولايات المتحدة إنه رفض بشكل صارخ إضراب السجناء عن الطعام. وقال ساخراً: يجب أن يُظهروا ازدياد وزنهم.

حسناً، دعنا نوضح الأمر، قد يكون مايك بومبيو رسمياً يشغل منصباً دبلوماسياً مرموقاً في الولايات المتحدة، لكن من الواضح أن الدبلوماسية، في الواقع، ليست موطن قوته عندما تبدو القوة العسكرية الغاشمة خياراً مفضلاً لديه.

إذاً، قد يبدو الأمر غريباً، حيث إن وزير الخارجية قد استنبط فجأة نظاماً يراعي الدبلوماسية والقانون الإنساني، مطالباً روسيا بالسعي إلى حل دبلوماسي للمرحلة الأخيرة من الحرب في سورية التي تجري في محافظة إدلب.

وقال بومبيو للصحفيين مؤخراً: “من الخطأ (مكافحة الإرهاب) على هذا النحو وتعريض حياة كل هؤلاء المدنيين الأبرياء للخطر وخلق أزمة إنسانية… نأمل بحل هذه المشكلة دبلوماسياً”.

وجاءت تعليقاته بعد تحذير من الرئيس دونالد ترامب لكل من سورية وروسيا وإيران من شنّ هجوم عسكري لاستعادة السيطرة على إدلب. وهي آخر معاقل الإرهابيين في سورية، وقد يؤدي الانتصار على الإرهابيين إلى إنهاء الحرب التي دامت ما يقرب من ثماني سنوات في البلاد بشكل نهائي.

لم يكترث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنداءات بومبيو. قال لافروف، وهو محق، إن من حق سورية السيادي القضاء على الجماعات المسلحة غير المشروعة وبسط سيطرتها على البلد بأكمله.

وهنا تشير وسائل الإعلام الغربية بشكل مضلّل إلى هذه الجماعات المسلحة بـ”الثوار” في محاولة لإخفاء حقيقة أن الجماعات الإرهابية المحظورة دولياً وفي مقدمتها “جبهة النصرة”، و”داعش” تسيطر على المسلحين.

وهذا يكشف الفساد الأخلاقي لدى الحكومات الغربية ووسائل الإعلام الإخبارية، وكذلك رؤساء الأمم المتحدة، الذين يتوسلون بقوة لإظهار ضبط النفس تجاه “الإرهابيين”، في حين أن هذه الجماعات المسلحة هي في الواقع الوباء الإرهابي الأكثر شراً الذي أصاب سورية.

المسلحون الموجودون في إدلب، ويُقدّر عددهم بـ(10000) هم أنفسهم  المجموعات الإرهابية التي لم تظهر أي رحمة للمدنيين السوريين على مدى السنوات الثماني الماضية، وتضمّنت قصص الرعب التي مارسوها قطع رؤوس أبناء أمام أمهاتهم وحرق أطفال وهم أحياء!.

إن سيرغي لافروف ونظراءه السوريين والإيرانيين على حق تماماً، لا يمكن إعادة سورية إلى الحالة الطبيعية السلمية الكاملة إلى أن يتمّ تصفية هؤلاء المرضى النفسيين الذين رفضوا التخلي عن أسلحتهم. ولكن رغم أن الإعلام الغربي يغطّي هؤلاء المجرمين بتسميات ملطفة مثل “متمردين”، فقد اعترف مايك بومبيو بالطبيعة الحقيقية البغيضة لمسلّحي إدلب.

وقال: إن “لدى الروس سرد بأن هناك إرهابيين في إدلب، هذا تصريح حقيقي، نشاركهم قلقهم من الإرهاب المتأتي من شمال وشمال غرب سورية، ونتفق معهم تماماً على وجود إرهابيين في تلك المواقع، و”يجب الانتباه لمنعهم من تصدير الإرهاب حول العالم”. ولكن، كما لوحظ، فإنه يواصل الدعوة لاستخدام “الدبلوماسية لحل المشكلة”، وتبدو عبارات التهدئة التي تستخدمها واشنطن غير ملائمة، لأنها أكاذيب دعائية.

في الحقيقة، الجيش الإرهابي الذي أنشأته الولايات المتحدة بثبات وسرية، وقامت برعايته، وتسليحه وتوجيهه للإطاحة بالحكومة السورية بشكل غير شرعي يواجه الآن هزيمة مذهلة. حيث يتقدم الجيش السوري، مع حلفائه، للتخلص نهائياً من وكلاء الإرهاب المدعومين من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والسعودية و”إسرائيل”، وتركيا، ممن نسقوا للإطاحة بالحكومة السورية، ولكن بفضل الجيش السوري وحلفائه، تم تجنب نهاية اللعبة الشنيعة.

تمثّلت مرحلة الانتصار بالقضاء على الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد الحكومة السورية، ولم تكن الضوضاء التي صنعتها واشنطن مؤخراً لضبط النفس واللجوء إلى الدبلوماسية إلا لإنقاذ “استثمارها الإرهابي” في سورية الذي اُستنزف في محافظة إدلب. وكان مقال قد نُشر مؤخراً في صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤول في إدارة ترامب قوله: خسرنا المعركة، وفي الوقت الحالي، مهمتنا هي المساعدة على خلق “مستنقعات”  لروسيا وللحكومة السورية حتى نحصل على ما نريد، في إشارة إلى محاولات واشنطن لعرقلة الهجوم النهائي على إدلب.

ما يريده المخططون الأمريكيون هو إبقاء سورية في حالة من عدم الاستقرار والضعف، وذلك بمحاولة منع الحكومة السورية من بسط سيطرتها الكاملة على أراضيها.

إن تناقض بومبيو مثير للضحك، فهو يعترف بوجود إرهابيين في إدلب، وليس “ثواراً”، ويحثّ في الوقت نفسه للجوء إلى الدبلوماسية كحل للتعامل مع الإرهابيين.

التفسير لهذا الإدراك الظاهر للاستقامة الأمريكية والدبلوماسية ليس إلا خداعا محضا، الدافع لا علاقة له بالمخاوف الإنسانية أو الحل السلمي، الأمر كله يتعلق بمحاولة واشنطن إيجاد طريقة لتجنيب أصولها الإرهابية حتى تتمكن من خوض قتال في يوم آخر.