ثقافةصحيفة البعث

الدراما التلفزيونية كأداة تأثير وتغيير في ندوة حوارية

 

تحظى الدراما التلفزيونية بتأثير ملحوظ في تغيير السلوك الإنساني، وهذا الأمر الذي لا يستطيع أي فن أن يجاريه في هذا الشيء، فالدراما تملك تأثيراً فاعلاً في توجيه الرأي العام، وانطلاقاً من أهمية هذا الموضع قدمت الزميلة “لوردا فوزي” ورقة عمل بعنوان “الدراما التلفزيونية أداة تأثير وتغيير” في إطار سلسلة الندوات التي يقيمها المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي تحدثت فيها بداية عن مفهوم الدراما وتعريفاته قائلة: “التعريف السوسيولوجي للدراما هو كل جدل يمثل الصراع بوعي أو دون وعي بين مختلف العناصر الاجتماعية لأداء وظيفة ما وإشباع حاجة ما، وتُعرف الدراما بأنها جنس أدبي مكتوب يقصد منه إنجاز عمل ما، في حين عرفها أرسطو بأنها (المحاكاة)، لكن، باختصار مفهوم الدراما يقوم على عنصر التمثيل الذي يستخدم الإنسان فيه فكره وإحساسه صوتاً وصمتاً حركة وسكوناَ، فالدراما تستقي مادتها من الحياة لأنها فن إنساني يرتبط بمشاكل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية والأخلاقية”.
وبما أن الجمهور وردة فعله على العمل الفني هو جزء لا يتجزأ من العملية الدرامية إذ لا توجد دراما بدون جمهور بينت الزميلة فوزي دور الدراما التلفزيونية في التأثير والتغيير من كونها وسيلة تعبير واتصال قائلة: “تضع الدراما المشاهد بنفس حالة الشخصية التي يتابعها وتجعله يمر بالتجربة الانفعالية للشخصية بشكل مباشر بدلاً من مجرد وصفها، كما أن الأفراد يعيشون في المسلسلات ويستجيبون بسهولة تامة لتلك المؤثرات، حيث إن المسلسل يحكي قصة أكثر قدرة على اجتذاب الناس، فالمشاهدون يتعلمون من المواقف والأحداث التي يشاهدونها في التلفزيون، وكل هذا يعني أن للدراما كل مقومات العالم الحقيقي، ولهذا نستطيع القول إن الدراما هي أكثر الأنماط واقعية وأكثرها تأثيراً حيث تستطيع إعادة خلق مواقف وعلاقات إنسانية وهذه الواقعية مستقاة من رؤية حقيقية”.

الأثر الاجتماعي
كما تطرقت فوزي إلى الأسباب التي تزيد من حجم الأثر المتوقع للدراما التلفزيونية فهي تقدم أفكارها بطريقة غير مباشرة ويتأثر بها المستقبل دون أن يقصد، كما أنها تثير في الإنسان دافع المحاكاة والتقليد، بالإضافة إلى أنها تعطي المشاهد سيلاً مستمراً من الانطباعات عن العالم والطبيعة الإنسانية وعن نتائج الأحداث، ومع أن المشاهد البالغ يدرك أن الدراما التلفزيونية غير، إلا أن التساؤل إلى أي مدى يظل المشاهدون على وعي بعدم واقعية المسلسلات التلفزيونية، ولاسيما أن هناك حالة تخلقها الدراما التلفزيونية لدى بعض المشاهدين تدعى (التوحد): وهي تعني اعتقاد الأفراد إمكانية التواصل مع الشخصيات التلفزيونية، فالمشاهدون يتحدثون عنها ويفكرون فيها ويخافون عليها أكثر من حديثهم وتفكيرهم وخوفهم على أشخاص حقيقيين.

المصطلحات الدرامية
وتضيف فوزي أن الدراما تروج أحياناً لأشياء غير مقبولة في المجتمع فتلفظ إحدى شخصيات مسلسل بـ”شتيمة” ما ،على الرغم من أنها شائعة الاستعمال في الحياة العادية، فإن هذا يعني أن المجتمع بدأ يسمح لنفسه باستعمالها بطريقة أكثر تحرراً بمعنى آخر أعطتها الدراما نوعاً من الشرعية، ويجب أن لا ننسى كذلك رسوخ بعض المصلحات والعبارات في أذهان المشاهدين كان يرددها أبطال مسلسل ما، وفي ختام بحثها أكدت الإعلامية فوزي على أنه لا يجب اعتبار الدراما بأي شكل مضيعة للوقت أو مجرد وسيلة للتسلية، بل هي من أكثر الوسائل فاعلية في عملية التوجيه، وإن قدرة الدراما كبيرة كأداة لدعاية سياسية مباشرة فما يميز الدراما أنها سهلة المنال بدرجة كبيرة لأنها تتطلب تركيزاً أقل وأيضاً لأن تأثيرها أكثر بكثير من مثيلاتها من الفنون الأخرى المعاصرة، ولا يوجد مجال للشك إطلاقاً أنها ستؤدي حكماً وقطعاً إلى حدوث تغييرات اجتماعية عظيمة.

مداخلات وتعقيبات
جرت نقاشات عديدة حول موضوع الندوة فتساءل البعض عن دور الرقابة في الدراما وعن أهمية حضورها الفعال وعن غيابها وتقاعسها عن دورها الحقيقي فيفترض أن يكون هناك نوع من التوجيه والضبط لما يعرض على الشاشة، فالدراما أداة تأثير وتغيير كونها تلامس الواقع، وفي السياق ذاته أكد آخرون أن الدراما التلفزيونية المعاصرة هي عملية تلقي ولذلك تأثيرها كبير بشكل مخيف، ولابد من إيجاد معايير حتى لا تبقى الدراما بهذا الشكل المنحدر الذي نعاني منه، إضافة إلى ضرورة إعادة نظر الجهات المعنية بموضوع الدراما التي تحولت إلى صناعة ربحية. وتطرقت مداخلة أخرى إلى بدايات التلفزيون الذي يستفيد من نمط المسرح في إيصال الصورة مستغلاً التقنيات التلفزيونية لإعطاء مسلسل يروي حدوتة فالمسلسلات في الستينيات كانت بنمط المسرح ديكوراً واحداً، وعندما تبنت التلفزيونات الحكومية ما قبل الفضائيات الدراما كانت ذات مشروع ثقافي وتملك قيمة تربوية وفكرية، مع تقدم آليات الإنتاج وتطور الإعلام تنبه رأس المال للمشروع الذي من خلاله يستطيع جذب شريحة واسعة من الناس، وهنا جرى نقاش عن أهمية رؤوس المال في عملية إنتاج الدراما التلفزيونية التي من خلالها استطاعت الفضائيات أن تكتسح السوق وتروج للأعمال الدرامية بالإضافة إلى بحثها عن معلنين لجذب أرباح كبيرة.
ورأى البعض أن الدراما أصبحت الآن تبتعد عن الفن وتقترب من الإعلام أكثر، فالإعلام يمتلك خطاباً دعائياً وهو ظاهر ومعروف وهناك الدعاية السوداء التي تخاطب الغرائز بالإضافة إلى الدعاية الرمادية التي تعتبر الأخطر والتي هي حكايا نصفها حقائق ونصفها أكاذيب ومن هذا الباب دخلت الدراما، فمثلاً تم تشويه تاريخ دمشق في فترة العشرينيات وتم تشويه الأسرة السورية وتاريخ سورية بشكل عام في العديد من المسلسلات، وتحدثت مداخلة أخرى عن الدراما السورية بأنها تعبير عن النضوج الفني والفكري والاجتماعي للمجتمع السوري، فكانت تعبرعن مشروع الدولة الناهضة القوية التي بدأت تبني أفكارها، والدراما السورية وضعت يدها على جرح المجتمع قبل الصحافة، عندما تنحت الصحافة والمؤسسة الرسمية الثقافية من أن تقوم بدورها، كما استطاع الإنتاج الدرامي بعلاقته مع القطاع الخاص أن يأخذ مكانته. وما أجمعت عليه المداخلات هو دور الدراما والمراهنة عليها لتحقيق وظيفة تنويرية ومعرفية، ولكن هناك شروطا لتحمل هذا المشروع التنويري النهضوي ومن أهمها التمويل الوطني ومتابعة من قبل الجهة المسؤولة عنها والقيام بدورها الفعال.
ورأت إحدى المداخلات أن الدراما كمنتج وطني قادرة ليس على إحداث تغيير في المجتمع فحسب، بل والارتقاء به على كافة الصعد الثقافية والتربوية والمعرفية والفنية، إضافة إلى أن الدراما تختلف في تأثيرها عن المسرح والسينما لأنهما فنان نخبويان لهما طقسهما الخاص، بينما الدراما التلفزيونية تدخل إلى كل بيت وتقدم رسائل للمشاهد تملأ وقته بما هو إيجابي وممتع، ولو أن كثير من الأعمال الدرامية التي تقدم الآن بعيدة عن أهداف ورسالة الدراما.
وفي عودة إلى بدايات الدراما السورية نرى أنها كانت تشكل ظاهرة مهمة على صعيد صياغة الرأي العام وعكس صورة عن أنماط عيش الحياة والإنسان السوري، لكن مع فورة الفضائيات اختطفت ظاهرة الدراما وأصبحت رهينة رأس المال الذي أصبح يوجه بوصلتها بما يخدم مصالحه.
واليوم على مدى سنوات سبع عملت الحرب على تجريف البنية الاجتماعية في سورية، حيث نرى بعض صناع الدراما يقدمون دراما لا تشبهنا مثل دراما البيئة الشامية ومثيلاتها.
واختتم النقاش بمداخلة رأت أن مهمة الدراما عكس بعض ملامح الواقع واستشراف المستقبل، لكن ليس مطلوباً منها تسليط الضوء على حالات خاصة وتعميمها باعتبارها الواقع.
عُلا أحمد