ثقافةصحيفة البعث

السينما العربية والحرية الغربية

 

 

يسلم السواد الأعظم من الناس بحتمية سيطرة السياسة على مفاصل الحياة والعلاقات بين الأمم والشعوب منذ بداية تشكل الإمبراطوريات والحضارات وحتى الآن، فلا حرية إلا ضمن حدود ما تقره وتسمح به السياسة.
وحتى في البلدان الأوروبية، صاحبة شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة وغيرها، تجد أن لا حرية إلا ما يخرج من تحت غربال السياسة، بما فيه حرية ممارسة الفن الذي يتعامل معه الغربيون بمداراة وحساسية عالية لما له من مكانة حضارية رفيعة بين الأمم، لكنه يعبّأ، أحيانا، في جرار السياسة، فالمهرجانات السينمائية في أوروبا كثيرا ما تستسلم لسوط السياسة، وتمارس الخيانة العلنية أو الخفية لقيم الفن، فتتعاطف مع أفلام تطرح أفكارا تتماشى والسياسة الغربية أو تمنع عرض أفلام تعاكس هذه السياسة ولنا في الفيلم السوري “رجل وثلاثة أيام” للمخرج جود سعيد مثالا، حيث منعت اللجنة المنظمة لمهرجان السينما العربية في باريس عرض الفيلم بسبب إنتاجه من قبل المؤسسة العامة للسينما الحكومية فقط، بعد أن كانت إدارة المهرجان قد أعلنت سابقا عرض الفيلم، لكن تدخل سطوة السياسة حال دون وصوله إلى الجمهور الذي لم يمنح حرية قبول أو رفض مشاهدة الفيلم رغم قصته البسيطة التي لا تتعدّ وجهة نظر كاتب السيناريو وقراءته لبعض جوانب انعكاسات الأزمة السورية على الحياة العامة بلغة لائقة.
في هذا البلد ذاته صاحب شعار الحرية والعدالة والمساواة اعترض اليمين الفرنسي العام الماضي على مشاركة فيلم “الخارجون عن القانون”للجزائري رشيد بوشارب في الدورة السبعين لمهرجان “كان” العام الماضي باعتباره تحية لثورة الجزائر ضد المحتل الفرنسي، في حين منحت اللجنة المنظمة لذات الدورة من المهرجان مشروع فيلم “المترجم” للمخرجة السورية رنا كزكز جائزة أفضل مشروع لفيلم طويل لمجرد انه يتناول الأزمة السورية من وجهة نظر تلتقي مع النظرة الغربية لهذه الأزمة.
وفي ذات السياق يحتفي مهرجان البندقية السينمائي في دورته ال 75 لهذا العام، بفيلم السورية المقيمة في الخارج سؤدد كنعان “يوم أضعت ظلي” ضمن مسابقة آفاق وهو من تمثيل مجموعة من الفنانين المقيمين في الخارج، الاهتمام الزائد بالفيلم قد يكون لسبب إنتاجه اللبناني الفرنسي القطري المشترك أو لسبب فكرته الموائمة للفكر الأوروبي المناهض للواقع السوري الحالي سيما وان مخرجته قدمت عدة أفلام وثائقية لمحطة الجزيرة الوثائقية، دون أن ننكر القيمة الفنية التي قد يأتي بها الفيلم والتي قد تتفوق فنيا على الكثير من أفلام المؤسسة العامة للسينما، لكن ما نرمي إليه هنا هو غياب البراءة عن الاهتمام الأوربي بأي عمل فني أو سينمائي عربي بغض النظر عن قيمته الإبداعية.
قد نفهم ونتقبل استبعاد فيلم “العاشق” من المسابقة العربية لمهرجان القاهرة في دورته الخامسة والعشرين بحجة مواقف مخرجه عبد اللطيف عبد الحميد المؤيدة للدولة السورية، ونسلم بمنع عرض فيلم”مريم” لباسل الخطيب في مهرجان دبي السينمائي التاسع بذريعة انفصال صناعه عن الواقع الذي تعيشه سورية هذه الأيام، لأن الدول العربية لم تتغن بحرية التعبير يوما، ولم تطرح شعارات الديمقراطية إلا فيما يخص الغير تشدقا، ومن المسلمات العادية جدا أن يمنع عرض فيلم أو مسرحية أو مسلسل تلفزيوني لسبب سياسي ما في أي بلد عربي، لكن أن يحدث ذلك في بلدان أوربية تحرك أساطيل وجيوش دفاعا عن الحريات، هذا يصبح نفاق سياسي وأخلاقي فاضح وعلينا أن نقف عنده مليا، على رأي الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي “قلوبهم معنا وقنابلهم علينا”
آصف إبراهيم