أخبارصحيفة البعث

بعض دلالات قمة سوتشي الروسية – التركية

د. مهدي دخل الله

أضحت إدلب محط اهتمام العالم بكامله، حيث تتعامد فوق رأسها السيوف كلها، وغالباً ماينسون أنها جزء لا يتجزأ من بلد همّه الأول الحفاظ على سيادته، وأن شعبها جزء لا يتجزأ من شعب يعرف تماماً كيف يقارع الاستعمار الجديد وملحقاته..

بعد الاجتماعات المتعددة بخصوص إدلب، وبعد التصريحات والإعلانات والضجة التي أثيرت حولها، انعقدت القمة الروسية – التركية في سوتشي متبنية اتفاقاً أثار لغطاً بين المتابعين والناس العاديين.

السؤال الأول: كيف ينعقد مثل هذا المؤتمر حول جزء من سورية دون أن تكون الدولة السورية حاضرة وهي المعني الحصري بالموضوع؟.. السؤال الثاني: من تنازل لمن في القمة، روسيا أم تركيا؟.. السؤال الثالث: ما هي طبيعة الاتفاق ومدلولاته؟..

سأبدأ بالسؤال الثالث.. الاتفاق هو تفاهم تكتيكي ميداني وليس استراتيجياً وسياسياً. ولا ينبغي تحميله فوق طاقته إذ إن الميدان الحربي له منطقه الخاص الذي يفرض على المشاركين أموراً محددة وتبدو غريبة في الأحوال العادية. إضافة إلى ذلك فإن الاتفاق يأتي في إطار ما اعتيد على تسميته بعملية أستانا التي – على الرغم من عيوبها – أسهمت في إبعاد المجموعة التي كان اسمها (أصدقاء الشعب السوري) عن التدخل المحدد في الشأن السوري..

لماذا لم تشارك سورية في القمة؟ هذا أيضاً نتاج لمنطق تفرضه الحرب، خاصة البعد الإقليمي – الدولي لهذه الحرب. فمن المعروف أن تركيا من بين الأطراف المعادية والمتدخلة بشكل مباشر في سورية. إن التحالف السوري الروسي حل مشكلة عدم حضور سورية العيني في التفاهمات التي تخص جغرافيتها وشعبها وتأكيد حضورها السياسي والسيادي في هذه التفاهمات.

قاعدة هذا التحالف هو الاحترام الروسي المطلق لسيادة سورية، بمعنى أن موسكو لا تتخذ أي موقف إلا بعد الموافقة السورية على أدق تفاصيل الحل المطروح. هذا أضحى معروفاً وأكده بوتين فوراً وبشكل واضح عندما قال: “إن الاتفاق تؤيده الحكومة السورية” وهذا يعني أن هناك تنسيقاً مسبقاً بين موسكو ودمشق. وزير الدفاع الروسي أكد أن تنسيق التفاصيل قائم مع سورية، ما يشير إلى أن دمشق كانت الحاضر الأساسي..

من تنازل لمن في الاتفاق؟ صحيح أن الاتفاقات تتم وفق منطق رابح – رابح إذا كان الجانبان يتمتعان بسيادة كاملة. لكن دائماً هناك طرف يربح أكثر من الآخر بحكم الواقع على الأرض. لذلك فإن السياسة الواقعية هي الرابح الأول. والسياسة الواقعية تبنى على حقائق ووقائع على الأرض في مقدمتها الانتصارات السورية المتوالية في الغوطة والجنوب وقبلها في حلب ودير الزور وغيرها.

وهذا يعني أن الاتفاق يأتي في السياق نفسه بغض النظر عن تفاصيله. وهذا واضح من مضمونه. فلقد تم القضاء على الطمع التركي بالهدنة الطويلة واستعيض عنه بتجريد الإرهابيين من الأسلحة الثقيلة في المنطقة المحددة.

فالمرحلة الأولى التي هي منطقة معزولة السلاح مقدمة مباشرة للمرحلة الثانية التي هي نزع الأسلحة الثقيلة. المرحلة الثالثة دخول الدولة إلى المناطق المذكورة.. وهذا هو المهم.

ولعل أهم ما في الأمر هو تحييد الذريعة التي يتبجح بها أعداء سورية حول خوفهم المزعوم على سكان إدلب.

إضافة إلى ذلك ستجد جبهة النصرة نفسها في موقع صعب يفرض عليها خيارين: إما الاستسلام أو الضربة القاضية..

أخيراً.. لا أريد القول بأن الاتفاق هو الأفضل، لكنه الأقل سوءاً، وهو الممكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين: 1- منطق الحرب -2- حرص الدولة على كل نقطة دم لمدنييها وجنودها على حد سواء.

mahdidakhlala@gmail.com