دراساتصحيفة البعث

منظمة تجارة عالمية بلا أمريكا

 

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع فالداي كلوب 7/9/2018

تقوم سياسة ترامب الخارجية على ثلاث فرضيات رئيسية:

أولاً، الانتقال السريع لمركز النظام العالمي، والذي كان لمدة نصف قرن في أوروبا ومن ثم في شمال المحيط الأطلسي، ومن هناك إلى شمال المحيط الهادي، الذي يتموضع الآن بين الولايات المتحدة والصين. في الواقع أصبحت الصين منافسة للولايات المتحدة بسرعة كبيرة، في حين أن أوروبا فقدت أهميتها العسكرية والسياسية والاقتصادية. وكل أفكار ترامب الأخرى مشتقة من الفكرة الأولى. لقد تمّ تعريف منطق ترامب بشكل أكبر من خلال حقيقة أنه سياسي واقعي متشدّد، إذ لا تعتبر قضايا التقارب الأيديولوجي أو الاعتبارات الأخلاقية ذات أهمية. وحيث يمكن إعطاء أوروبا والحلفاء الآخرين ضمانات، ولكن فقط إذا اتبعوا القواعد الأمريكية ولم يعملوا كمنافسين اقتصاديين لأمريكا، والشيء نفسه له صلة إلى حدّ كبير بالعديد من البلدان الأخرى، بما في ذلك كندا والمكسيك.

ثانياً، النظر إلى روسيا على أنها القوة الثالثة ذات الأهمية في مثلث الصين- الولايات المتحدة– روسيا. وبالنظر إلى هذا الموقف من المنظور الواقعي، يعتقد ترامب أنه لا يوجد سوى خيارين محتملين: إما أن تكون روسيا مع الولايات المتحدة ضد الصين، أو مع الصين ضد الولايات المتحدة. لذا فهو يحاول أن يكرّر، وإن بشكل مختلف، خدعة ريتشارد نيكسون عام 1972- وهو واقعي آخر، عقد صفقة مع الصين الشيوعية ضد الاتحاد السوفييتي، مما أجبرها على بناء خطط الدفاع النووي الثاني في الشرق الأقصى.

ثالثاً، والأكثر أهمية في هذه الحال، النظر إلى نمو الصين، باعتباره التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، إذ أن ترامب يشكك في العولمة الاقتصادية ونظام التجارة الحرة، والتمركز حول منظمة التجارة العالمية. يعتقد ترامب أن نظام منظمة التجارة العالمية، الذي بُني في شكله الحالي عام 1995، على أساس أن الاقتصاد الأمريكي هو الأقوى والأكثر فعالية في العالم، يمكن من توسيع نطاق الصادرات الأمريكية عن طريق تدمير الحواجز الجمركية في البلدان الأخرى. وفيما يعتبره “نموذجاً صينياً” بحكم الواقع، يفتح الأبواب أمام السلع المصنّعة الصينية ويدمّر المجال الحقيقي للاقتصاد الأمريكي. لذلك، يجب تدميرها واستبدالها بشيء جديد!.

إن التهديدات الأخيرة المتعلقة بالرسوم الجمركية والدعوات لإلغاء وإعادة التفاوض بشأن عدد من الاتفاقيات التجارية الرئيسية، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) ليست سوى “شرارة” في هذه الحرب التجارية. ويستعد ترامب لتقديم تضحيات تكتيكية (مثل التعريفة الجمركية المضادة في البلدان المتضررة وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة) لتحقيق أهدافه الإستراتيجية، من المفارقات، أن التفاوض حول “النافتا” تمّ من قبل جورج بوش الأب، وقد قام بيل كلينتون بحملة قوية عام 1992، مدعياً أن هذا الاتفاق يمكن أن يضرّ بالعمال الأمريكيين. لكن، كلينتون نفسه وبعد انتخابه رئيساً غيّر رأيه على الفور ودفع بالاتفاق إلى الكونغرس، معتمداً بشكل رئيسي على التصويت الجمهوري، وبالتالي كانت اتفاقية “النافتا” حتى في لحظة إقرارها، مشروعاً مثيراً للجدل، حتى وإن كان بشكل منهجي، فإن اتفاقية التجارة الحرة تعتبر أكثر بدائية. وكما هي الحال مع أي اتفاق من هذا النوع، هناك دائماً رابحون وخاسرون، فعلى سبيل المثال، كان من بين النتائج السلبية الأكثر وضوحاً بالنسبة للولايات المتحدة، انتشار الاستعانة بمصادر خارجية للمؤسسات الأمريكية في المكسيك وزيادة هجرة اليد العاملة من ذلك البلد. وفي الوقت نفسه، كان سبب هذه الهجرة إلى حدّ كبير تدفق الحبوب الأمريكية الرخيصة إلى المكسيك، وما يترتب على ذلك من فقدان الحدّ الأدنى من وسائل العيش من قبل عدد كبير من المزارعين والعمال الزراعيين المكسيكيين.

بوجه عام، يتمّ تجاهل الجوانب الإيجابية للتجارة الحرة، بما في ذلك احتكار بعض فروع الاقتصاد المكسيكي وتوسع الصادرات الأمريكية إلى ذلك البلد، في حين أن الجوانب السلبية تمّ المبالغة فيها، خاصة وأن ضحايا تلك العمليات من أشد مؤيدي ترامب حماسة، وكان فوزه إلى حدّ كبير يعتمد على قدرته على “سرقة” الولايات الديمقراطية الثلاث الصناعية والزراعية التقليدية، ميشيغان، وويسكونسن، وبنسلفانيا، التي تضررت اقتصادياتها الحقيقية، وعلى تأثر قوة العمل بشدة من تأثير التجارة الحرة. وتظهر هذه الاتجاهات نفسها تجاه منظمة التجارة العالمية وتأثيرها على قطاعات معينة من الاقتصاد وعلى القوة العاملة في الولايات المتحدة.

بالنسبة لترامب، على المدى القصير على الأقل، فإن كلاً من حروب التعريفة وإنهاء مثل هذه الاتفاقيات التجارية لعبة خطرة، كما أظهرت الرسوم الجمركية على الصلب والتدابير المضادة اللاحقة والتكاليف المتزايدة في الولايات المتحدة.

ومن الصعب التنبؤ بالعواقب طويلة المدى لهذه الأفعال، فهي ستعتمد على اتساق ترامب وطول مدة بقائه في منصبه، وكذلك على تأثير الحروب التعريفية المنتشرة على استقرار الأنظمة الاقتصادية والمالية العالمية.

في غضون ذلك يشير العام ونصف العام الماضيان إلى أن ترامب، على النقيض من السياسيين التقليديين، يفي بوعوده الانتخابية بقوة، وهي حقيقة قد تشير إلى استمرار السياسات المناهضة للعولمة حتى نهاية ولايته. ومن منظور قوة الولايات المتحدة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية يتوجب على شركائها، الذين يعاملون على أنهم صغار، في أوروبا وأمريكا الشمالية أن يقبلوا الضغط الأمريكي في أن محاولات تشكيل تحالفات تستبعد الولايات المتحدة عمداً على الأقل في هذه المرحلة سيكون عديم الجدوى بالنسبة لهم، أياً كان الخطاب المستخدم رسمياً.