صحيفة البعثمحليات

تناقض حامض

يأتي اعتراف وزارة الزراعة بأن أهم مستلزمات صناعة العصائر متوافرة، كمن يضع أصبعه في عينه المقلوعة أصلاً، فالثمار ذات النكهة واللون المميزين بكميات كبيرة، والأصناف المتعددة ومواعيد النضج المختلفة أسوة بالكثير من دول العالم لم تشفع بتحرك جدي ما نحو تنفيذ ولو جزء يسير مما توعد فيه هذه المواسم المحرومة الاهتمام والدعم والمشروعات التصنيعية منذ عقود؟

وإذا كانت الوزارة نفسها ومن خلال فريق عمل الحمضيات، قد قامت باقتراح تشكيل ستة فرق للانتقال من الزراعة إلى مرحلة التصنيع، وهو المشروع الذي لطالما دارت المطالبات حوله في فترات سابقة. فإن حقيقة تطبيق مفهوم صناعة الحمضيات يساهم في تحقيق قيمة مضافة كبيرة جداً يمكن أن تصل إلى 100 %، عدا عن استفادة المزارع منها وعدم استغلاله من قبل بعض التجار ما سيكون له المنعكس الإيجابي، ولاسيما لجهة اهتمام المزارع، بالشكل الذي سيساعد وزارة الزراعة في عملها وتواصلها مع الجهات ذات الصلة لتطوير زراعة الحمضيات في سورية، التي تحتل المركز الثالث عربياً من حيث الإنتاج، والسابع متوسطياً، والثامن عشر عالمياً.

لا يتوانى القائمون على ملف الحمضيات إدارياً وتسويقياً عن ضرب اليد على الصدر بأن التركيز لطالما يصب في تأمين منتج زراعي آمن بمواصفات وجودة عالية كماً ونوعاً والعمل على تطوير هذه المواصفات والجودة وتقديم العناية والخدمة للأشجار المثمرة من الغرسة حتى المنتج!

ما اتحفنا به فريق عمل الحمضيات وفي خطوة أولى باتجاه جعل مفهوم صناعة الحمضيات في البلاد أمراً واقعاً اقتراح تشكيل ستة فرق مختصة الأول منها لإنتاج المادة النباتية النقية ومهمته إنتاج أمهات الأمهات الوسيطة بطريقة التطعيم القمي، أما الفريق الثاني فهو فريق فحص جميع الأمهات الموجودة حالياً في المشاتل الحكومية، في حين يقوم فريق التحري الدائم عن الأمراض والآفات التي تصيب بساتين الحمضيات بمسح ومراقبة مواقع انتشار الآفات والأمراض ورفع تقارير شهرية تصف الواقع الفعلي للحمضيات على مستوى محافظتي طرطوس واللاذقية، أما فريق إتلاف الغراس والأشجار المصابة أو المريضة في المشاتل أو الحقول فسوف يقوم باتخاذ الإجراءات الفورية والمباشرة بعد التأكد مخبرياً من وجود الإصابة بأي من الأمراض الخطيرة وأينما وجدت، في مقابل قيام فريق نشر الغراس الدالة للأمراض بتوزيع ومتابعة الحالة الصحية لهذه الغراس والتركيز حالياً على توزيع وزراعة غراس اللايم المكسيكي وزراعتها أمام الوحدات الإرشادية في مناطق زراعة الحمضيات بعد تزويد كل غرسة ببطاقة تعريفية توضح طريقة التعرف على الأعراض التي قد تظهر والإبلاغ فوراً عن وجود أي من الأعراض.

وكل ذلك لم يتحقق إلا على الورق أو في مخيلة صانعيه، وهم أنفسهم مع شركائهم “الواعدون” لم يتوقفوا عن التطبيل والتزمير لإقامة معمل عصائر حمضيات في اللاذقية تصل طاقته الإنتاجية إلى نحو مئتي ألف طن، في وقت حكي عن توريد خط توضيب جاهز للاستثمار.

المفارقة التي تأتي من الوزارة ذاتها بأن هناك دراسات عديدة حول كمية ونوعية الإنتاج الزراعي وما يتطلب التحقق لأن تكون نوعية هذه المنتجات صالحة للتصنيع والكميات كافية لتحقيق الجدوى من إقامة مشاريع كهذه على أن تتم الاستفادة من تجارب بعض الدول في هذا المجال.‏ وهذا ما يتعارض مع الاعتراف بالقيمة التصنيعية لحمضيات الساحل المتهم بأنه فاكهة مائدة وليس للعصر.

إذن من الضرورة الخروج بمعطيات تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الفنية والمالية والتسويقية وإمكانية منافسة منتجات هذا المشروع في ضوء إنتاج المعامل الخاصة والاستهلاك المحلي والمستوردات وإمكانية التصدير على أن يرضي هذا المنتج أذواق المستهلكين ويكون منافساً في السعر.‏ ولا ضير هنا من الاستعانة بدول شرقي آسيا والدول الصديقة لاستيراد التجهيزات والآلات اللازمة لإقامة المشروع، مع ضرورة استثمار المبالغ التي ستخصص للمشروع في حال إقراره بالشكل المجدي خاصة في ظل وضع الصناعة القائم حالياً.‏ وفي ضوء ذلك يسأل كثيرون عن برادات  تخزين منتجات المشروع والاستفادة منها لتصنيعها على مدار العام والاستفادة من توسيع قاعدة التصنيع لتشمل منتجات مماثلة.‏

علي بلال قاسم