اقتصادصحيفة البعث

فساد غير تقليدي

 

عكست سرديات السوريين اليومية خلال الفترة الماضية على وجه التحديد، خلاصة لأشكالٍ من الفساد الاجتماعي ذات أبعاد اقتصادية، مردها بكل تأكيد سنوات الأزمة العجاف، كعمليات الخطف والسرقة ، وغير ذلك من الوقائع التي بدأت تنحسر شيئاً فشيئاً بالتوازي مع التحسن الملحوظ للأوضاع الأمنية..!
ولكن رغم هذا الانحسار إلا أن ما خلفته هذه الأشكال من آثار من جهة، واستمرار نشاط بعض ذيول بعض روادها من جهة ثانية، ينبئ بأن آثارها أكبر من الفساد التقليدي المعروف وما يدور في فلكه من رشاوى وابتزاز ناجمة عن سلوكيات لبعض من يتولون المناصب العامة، بل يمكن تصنيف أشكال هذا الفساد غير التقليدي ضمن دائرة الجرائم بامتياز، مع الإشارة إلى أن أساسها ومسبباتها تتقاطع مع أساس ومسببات الفساد التقليدي كانتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة، مع التنويه إلى أن فرص هذه المظاهر تزداد عموماً في المراحل الانتقالية، والفترات التي تشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، ويساعد على ذلك حداثة أو عدم اكتمال البناء المؤسسي والإطار القانوني التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين مستغلين ضعف الجهاز الرقابي على الوظائف العامة في هذه المراحل.
بيت قصيدنا في هذا المقام هو التحذير مما قد تخلفه هذه المظاهر على مشهدنا الاقتصادي، وتحديداً لجهة الفشل بمسألة جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر، فضلاً عن آثارها على النواحي الاجتماعية وخلخلة القيم الأخلاقية، وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص، وانتشار الفقر وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة وبشكل خاص النساء والأطفال والشباب.
يبث بعض المراقبين هواجسهم تجاه هذه المظاهر، محذرين من تطور إمكانيات رموزها لدرجة الهيمنة غير الشرعية على بعض مفاصل القطاعات التنموية، بالتواطؤ مع بعض المفاصل التنفيذية، إما بغية الاحتكار، أو بغية الحصول على أتاوات من تحت الطاولة، في زمن أحوج ما نكون إليه لمزيد من الاستثمارات في بلد يتفق القاصي والداني على خصوبته الاستثمارية..!
ألا تستحق مظاهر الفساد غير التقليدي هذا -الدخيل على مجتمعنا- دراسة أسبابه ومسبباته ومعالجتها بشكل حثيث، ليصار إلى اجتثاث جذوره، وقطع رؤوس رواده ورموزه القابعين في الظلام..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com