دراساتصحيفة البعث

الهستيريا الإعلامية المناهضة لروسيا

 

ترجمة: هيفاء علي
عن موقع ريزو انترناسيونال 22/9/2018
تستنكر صحيفة نيويورك تايمز العمليات العسكرية للجيش السوري المدعوم من قبل روسيا، لكن ماذا قالت صحيفة نيويورك تايمز منذ قرن مضى؟ قالت الشيء نفسه وللسبب نفسه: إسقاط قوة وطنية قوية لاستبدالها بقوّة عالمية تحت سيطرة الطبقة الحاكمة المنتخبة. يكفي التذكير بظهور أول هستيريا إعلامية معادية لروسيا وردت في كتاب جاكوب اتش شيف، دراسة في القيادة اليهودية الأمريكية لمؤلفه نعومي دبليو- كوهين عام 1999.
هاجر جاكوب شيف الشاب إلى الولايات المتحدة، حيث أصبح مصرفياً قوياً في المرتبة الثانية بعد مورغان، لكنه لم يكن مجرد مصرفي بل تكمن أهميته في الدور السياسي والتاريخي الذي لعبه لمجتمعه، فهو الذي ساعد أدولف أوشز -وهو عضو في اللجنة اليهودية الأمريكية- للحصول على نيويورك تايمز في عام 1896 لتعود بالفائدة على اليهود في كل مكان. الهدف من حياته: الإطاحة بالقيصر وتحرير “شعبه من هذا النظام”.
يصفه نعومي كوهين بأنه الشخص الذي قاد حملة صليبية ضد روسيا. في عام 1904 قرر جاكوب هذا تمويل اليابان في حربها مع روسيا. بعد الحرب، رفض تمويل روسيا قائلاً: إن روسيا فقدت تفضيل الأسواق المالية الأمريكية من خلال معاملتها الهمجية لليهود. وفي السياق نفسه، لم يتردّد في تأكيد أنه رفض الانصياع لمساعدة الروس الذين يعذبون شعبهم، حسب تعبيره، وتساءل عن الفكرة الشائعة على نطاق واسع بأن روسيا كانت صديقة للولايات المتحدة. ومع ذلك، لم تكن روسيا الهدف الوحيد لشيف، ومن المفارقات أن الحرب ضد إمبراطورية رومانوف ستكون فرصة ذهبية لإعلان نصر لامع في الولايات المتحدة نفسها. السلاح الرئيسي هذه المرة لن يكون المال، بل هو حملة إعلامية مذهلة يقوم بتنظيمها شيف واللجنة اليهودية الأمريكية (AJC).
في عام 1910 شنّ شيف وهيئة المساءلة والعدالة هجوماً عنيفاً على الرئيس الأمريكي آنذاك، الجمهوري هوارد تافت الذي انتخب عام 1908، للإطاحة به واستقدام منافسه الديمقراطي وودرو ويلسون الذي فاز في انتخابات عام 1912. وكان الهدف من تلك الحملة إنهاء معاهدة التجارة المبرمة مع روسيا منذ عام 1832. وبموجب هذه المعاهدة تمّ منح الحقوق المتبادلة للإقامة والتجارة للروس والأمريكيين. وصاغ تافت، المرشح الرئاسي آنذاك، التزام الجمهوريين بحقوق حاملي جوازات السفر، وتحدث عن هذه المسألة في خطبه الانتخابية. الوضع كوميدي، إذ يريد “شيف” أن ترغم أمريكا روسيا على احترام المعاهدة بما في ذلك حقوق اليهود الأميركيين، وفي الوقت نفسه، لا يريد أن يتعامل اليهود مع نظام القيصر. وهنا يكمن التحدي الحقيقي: تطبيق بنود المعاهدة التجارية بحذافيرها أو إلغاؤها، ما يهمّ بالنسبة لليهود هو أن يكونوا قادرين على فرض جدول الأعمال في الحملات الانتخابية الأمريكية ويكون لهم تأثير حاسم على النتيجة، باختصار، يريدون ضمان الاستيلاء على السلطة في الولايات المتحدة.
لكن تافت، الذي أصبح رئيساً، لم يعر أي اهتمام لهذا التهديد ظناً منه أنه يستطيع “نسيان” هذه المعاهدة، وفي شباط 1910 كانت المشكلة لا تزال عالقة. عند تعرضه للضغوط من أجل التحرك، أعلن أنه “غير مستعد للمجازفة بالمصلحة التجارية لثمانية وتسعين مليون مواطن أمريكي من أجل مليونين يشعرون بأن حقوقهم قد انتهكت”. اعتبر شيف هذا الموقف بمثابة إعلان الحرب فسارع إلى تخصيص 25 ألف دولار لإطلاق حملة إعلامية ضخمة لإلغاء المعاهدة. وبالفعل، انطلقت موجة من التحركات عبر البلاد دفعت اللجنة القضائية المشتركة إلى مطالبة الكونغرس بإنهاء المعاهدة، فكان لها ما تريد وألغيت عام 1911.
هلّل “شيف” لذلك النصر قائلاً: “للمرة الأولى، تتلقى روسيا، هذا العملاق العظيم، صفعة من أمة عظيمة.. سيحدّد هذا القانون تاريخ الحضارة إلى الأبد”. بعد وقت قصير من هزيمته في الحملة الانتخابية عام 1912، أعلن تافت بمرارة أنه كان على حق من البداية إلى النهاية لمعارضة إلغاء المعاهدة وأن سخرية القدر كانت إلى جانب شيف و”إخوته المختونين” بعبارة أخرى، “حاولت منع اليهود من الاستيلاء على السلطة، لكنني فشلت”.
تجدر الإشارة إلى أن هذه القضية يمكن أن تكون قد انفجرت قبل ذلك بكثير، خلال ولايتي تيودور روزفلت من عام 1901 إلى عام 1908، ولكن شيف شعر بوضوح أن تافت كان أسهل من روزفلت. في العام التالي، تمّ انتخاب ويلسون، الذي قام بحملة من أجل الإلغاء، وبالتالي ضد روسيا. المقارنة مع الوضع الحالي ليست صعبة، الاختلاف الوحيد هو أنه في ذلك الوقت، اختار جاكوب شيف، المحافظ، إسقاطاً جمهورياً وانتخاباً ديمقراطياً، في حين أن الديمقراطيين السابقين، المحافظين الجدد، يدعمون اليوم الجمهوريين.
لكن من هم هؤلاء المحافظون الجدد على وجه التحديد؟ إنهم  اليهود الموجودون فقط للحفاظ على دعم الولايات المتحدة غير المشروط لـ”إسرائيل”، هذا هو السبب الوحيد لوجودهم وهذا ما دفعهم للانتقال من الديمقراطيين إلى الجمهوريين فقط من حيث أنهم محافظون “جدد”: لأنهم يأتون من المعسكر الديمقراطي، وليس لأنهم يحاربون من أجل تجديد التيار المحافظ في الولايات المتحدة، بل على العكس تماماً.
بالنسبة للباقي، كل شيء متطابق، وسائل الإعلام نفسها، التعبيرات نفسها، الضغط نفسه، الإرادة نفسها لإسقاط القوى الوطنية: أمس القياصرة، واليوم روسيا بوتين -الذي يجسد إرادة الروس للبقاء دولة وشعباً في استمرارية تاريخها- بينما تعمل الولايات المتحدة بالأمس واليوم وفي كل الأزمان لصالح “إسرائيل”. فيما يتعلق بهذا الهدف الذي يبلغ ألف عام، فإن “أرض الميعاد”، اللون السياسي للأحزاب، من الواضح أنه هدف ثانوي تماماً، الشيء المهم هو إدراك أن الأشخاص نفسهم الذين يقفون وراء هستيريا وسائل الإعلام الحالية المعادية لروسيا ومجموعاتهم من العقوبات الاقتصادية هم أنفسهم الذين يسيطرون على الولايات المتحدة: المحافظون الجدد، خلفاء جاكوب شيف!.