دراساتصحيفة البعث

العدوان السعودي على اليمن.. حرب إرهابية

ترجمة وإعداد: هيفاء علي

إنها حرب العالم السفلي، العدوان الوحشي الذي تشنه وتقوده مملكة آل سعود، والإمارات العربية المتحدة، وسبع دول أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ آذار 2015 بدعم كامل من البنتاغون، وكافة أصناف الأسلحة الأمريكية الحديثة والقديمة، هناك كل ما يخطر على البال:  ضحايا من الأطفال بالعشرات، حملة جوية لا نهاية لها لا تهتم بالمدنيين، والمجاعة، والكوليرا، وما إلى ذلك، ليس من المستغرب أن يتعرّض لانتقادات متزايدة في الكونغرس، وجماعات حقوق الإنسان خاصة مع  استمرار شبكة “القاعدة”  بالتمدد، لسنوات قصفت قوات التحالف أهدافاً بلا هوادة بمباركة ودعم القوات الأمريكية باستخدام قنابل وصواريخ ذكية وأسلحة فتاكة محرمة دولياً، دون صدور أية علامة احتجاج أو شكوى من واشنطن، إلا أن المجزرة التي وقعت في 7 آب باستهداف حافلة مدرسية في شمال اليمن بقنبلة أمريكية حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، ما دفع  البنتاغون في النهاية  إلى إثارة ضجة كبيرة، إذ أسفرت تلك المجزرة عن مقتل 40 تلميذاً، وإصابة 79 آخرين.

وبعد ذلك بوقت قصير، أصدر فريق من الخبراء عيّنه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تقريراً يفصّل العديد من الهجمات البشعة الأخرى ضد المدنيين اليمنيين، بمن فيهم الأشخاص الذين يحضرون حفلات الزفاف والجنازات، الأسوأ منها قتل 137 شخصاً، وجرح 695 في جنازة في العاصمة صنعاء في نيسان من هذا العام،
وقد أدى الهجوم على هؤلاء التلاميذ، وتقرير الأمم المتحدة، إلى تفاقم  الغضب العالمي المتزايد ضد المذبحة في اليمن، رداً على ذلك،  قال وزير الدفاع جيمس ماتيس: إن دعم إدارة ترامب للحملة العسكرية السعودية  لا ينبغي اعتباره بلا تحفظ، وإنه ينبغي على السعوديين وحلفائهم القيام بكل ما هو ممكن إنسانياً لتجنب أية خسائر في الأرواح البريئة، الأمر الذي بدا كنكتة سخيفة وثقيلة على حساب المدنيين اليمنيين، باعتبار أنهم لم يحققوا مثل هذا المعيار أبداً منذ بداية الحرب قبل خمس سنوات تقريباً، وأن إدارة ترامب ليست لديها نية واضحة للحد من دعمها للسعوديين أو الحرب.

إحصائيات المعاناة

الأرقام الرهيبة تشهد على المعاناة التي يعيشها الشعب اليمني، فقد  قضت الطائرات السعودية والإماراتية رسمياً على 6,475 من المدنيين والجرحى أكثر من 10,000 شخص آخرين منذ 2015، كانت الأهداف المستهدفة هي المزارع، والمنازل، والأسواق، والمستشفيات، والمدارس، والمساجد، وكذلك المواقع التاريخية القديمة، أي تدمير البنى التحتية، والحضارة، والتراث اليمني عمداً.

في نيسان 2018، قاد التحالف بقيادة السعودية 17243 غارة جوية عبر اليمن، ما أسفر عن تدمير 386 مزرعة، و212 مدرسة، و183 سوقاً و44 مسجداً، وما يثير السخرية والاستهجان أن السعوديين وحلفاءهم يعتبرون هذه الجرائم “مجرد أخطاء مفهومة”، ويدعون أنهم يتخذون كل الاحتياطات المعقولة لحماية الأبرياء، تظهر الإحصاءات التي جمعها مشروع البيانات المستقلة لليمن بوضوح أن موت المدنيين اليمنيين لا يمنع ملوك الخليج من النوم بسلام، ليس هذا فحسب، بل إلقاء المسؤولية على اللجان الشعبية.

وفيما يتعلق بتدمير أرواح المدنيين وموارد رزقهم، فقد فرضت السعودية والإمارات حصاراً بحرياً خانقاً، ما أدى إلى المجاعة، وتفشي الأوبئة، على وجه التحديد تفشي وباء الكوليرا، ووقوع كارثة إنسانية حقيقية في اليمن.

كان اليمن يعتمد منذ زمن طويل على استيراد 85% من وقوده، وأدويته، ومواده الغذائية، حتى عندما ارتفعت الأسعار، انتشر الجوع وانفجر سوء التغذية، يعتمد حوالي 18 مليون يمني اليوم على المساعدات الغذائية الطارئة من أجل البقاء، وهذا يمثّل 80٪ من السكان، ووفقاً للبنك الدولي فإن “8.4” ملايين آخرين معرّضون للمجاعة، في كانون الأول 2017 أسفر الحصار السعودي الإماراتي عن موجة جديدة من الموت الجماعي، كما ساهم الحصار في انتشار وباء الكوليرا الذي تفاقم بسببه نقص الأدوية،  ووفقاً لتقرير آخر صادر عن منظمة الصحة العالمية، بين نيسان 2017 وتموز 2018، كان هناك أكثر من 1.1 مليون حالة من الكوليرا، مات ما لا يقل عن 2310 أشخاص، معظمهم من الأطفال بسبب هذا المرض،  هذا هو أسوأ وباء للكوليرا في تاريخ البشرية، الأسباب الرئيسية للوباء: مياه الشرب الملوثة بتحلل القمامة (التي لم يتم انتقاؤها بسبب الحرب)، نظم الصرف الصحي المدمرة، وتوقف محطات تنقية المياه عن العمل بسبب نقص الوقود، كل هذا نتيجة للعدوان السعودي الإماراتي السافر.

في أوقات الحرب، تعتبر سياسة الحصار والتجويع جريمة حرب حتى لو ادعى  السعوديون والإماراتيون بأن الهدف الوحيد من الحصار هو منع تدفق الأسلحة إلى اللجان الشعبية، ولا يمكن اعتباره عملاً مشروعاً للدفاع عن النفس، ووفقاً لمعايير القانون الإنساني الدولي أو المعنى السليم، كان منع واردات اليمن استجابة غير متكافئة، وكان من السهل التنبؤ بالعواقب الكارثية القادمة، والأمر المثير للضحك التصريحات الأمريكية الصادرة عن نيكي هالي، السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة التي رددت الاتهامات السعودية للجان الشعبية بامتلاكهم صواريخ، وكأن الأسلحة الخفيفة والثقيلة والفتاكة، إضافة إلى المساعدات التقنية التي تقدمها الولايات المتحدة وبريطانيا للسلطات السعودية والإماراتية هي أسلحة ورقية لا مفعول لها وليست هي التي دمرت اليمن وقتلت وفتكت بالشعب اليمني، القنابل العنقودية مثلاً التي تنتشر على مساحات واسعة عند إسقاطها من الطائرة، والمحرمة دولياً بموجب المعاهدة الموقعة عام 2008 من قبل 120 دولة لم تلتزم بها الرياض ولا واشنطن ولا “تل أبيب”، ومع ذلك، استمرت الأسلحة الأمريكية الأخرى في التدفق إلى المملكة العربية السعودية، في حين تعتمد طائراتها المقاتلة على ناقلات سلاح الجو الأمريكي لإعادة تزويدها بالوقود في الجو (88 مليون رطل من الوقود)، فيما تتواجد قوات العمليات الخاصة الأمريكية الآن على الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية لمهاجمة مواقع اللجان الشعبية.

في حزيران 2018،  ازدادت شراسة التحالف السعودي، وازداد معه الخطر المحدق بالمدنيين بشن هجوم ما يسمى “النصر الذهبي” على ميناء الحديدة للسيطرة عليه، متجاهلاً معارضة الإدارة الأمريكية لهذا الأمر، وقد قامت  القوات الجوية والسفن الحربية السعودية والإماراتية بدعم قواتها على الأرض، وانضمت إليها الميليشيات المتحالفة مع اليمن، ومع ذلك جوبه هذا الهجوم العنيف بمقاومة قوية من قبل اللجان الشعبية، ما آل إلى توقف التقدم بسرعة، ولكن بعدما فرت 50.000 عائلة على الأقل من الحديدة وتم وقف الخدمات الأساسية لـ 350.000 المتبقية، ما أثار المخاوف من تفشي وباء الكوليرا في المدينة!.

جذور الحرب

بدأ الوضع في اليمن يتطور إلى الحالة الراهنة من الهلاك عندما بدأت رياح “الربيع العربي” تهب على الشرق الأوسط عام 2011، تصاعدت الاحتجاجات في الشوارع ضد علي عبد الله صالح، رجل اليمن القوي، وسرعان ما حصلت على الزخم والدعم السعودي والأمريكي عندما حاول قمعها باستثناء اللجان الشعبية الذين يتواجدون في معقلهم الرئيسي في محافظة  صعدة  الواقعة على الحدود السعودية، لعبت اللجان الشعبية دوراً محورياً في خلق حركة “أنصار الله” السياسية عام 1992 لخدمة مصالح اليمنيين، وفي محاولة لإضعافهم، قام السعوديون منذ فترة طويلة بالتسويق لقادة دينيين راديكاليين في شمال اليمن،  وشن غارات متقطعة على مواقعهم.

حاول صالح أن يصبح حليف واشنطن في حملتها لمكافحة الإرهاب بعد 11 أيلول، وخاصة ضد تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية حيث تمددها، ومن ثم  انضم إلى السعوديين في تصوير اللجان الشعبية كأدوات لمشروع المقاومة في المنطقة التي تكرهها كل من واشنطن والرياض.

عندما اعتبرت هذه القوى علي عبد الله صالح كزعيم سياسي، ساعدت  في طرده ونقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، فشلت هذه التدابير في تهدئة اللعبة، حيث بدأت الدولة في التفكك، وفشلت جهود الولايات المتحدة والسعودية لتعزيز الانتقال من صالح إلى هادي.

في هذه الأثناء، أغارت ضربات الطائرات الأمريكية دون طيار على بؤر “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية، ما أثار غضب  العديد من اليمنيين  الذين اعتبروا أن هذه الغارات لم تنتهك سيادة اليمن فحسب، بل قتلت المدنيين أيضاً، مديح هادي لحملة الطائرات دون طيار زاد من مصداقيته، استمرت سلطة تنظيم “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية في النمو، وزاد الاستياء في جنوب اليمن، وبدأت العصابات الإجرامية وأمراء الحرب في العمل دون عقاب، ما أبرز عدم فعالية حكومة هادي،
والإصلاحات الاقتصادية الليبرالية الجديدة لم تعمل إلا على إثراء حفنة من العائلات التي تسيطر منذ فترة طويلة  على جزء كبير من ثروات اليمن، في حين أن الوضع الاقتصادي لمعظم اليمنيين مزر للغاية، بلغ معدل البطالة حوالي 14٪ في عام 2017، (وتجاوز 25٪ للشباب)، في حين أن معدل الفقر كان يرتفع بسرعة كبيرة  كما كان التضخم.

وقعت الكارثة، وعندما اقترح هادي خطة لإنشاء نظام فيدرالي لليمن، كانت اللجان الشعبية غاضبة، لذا تخلوا عن حكومة هادي واتجهوا إلى المعركة، قريباً، كانت قواتهم تتحرك في الجنوب، في  أيلول 2014، دخلوا العاصمة صنعاء، وأعلنوا حكومة وطنية جديدة، في شهر آذار، دخلوا عدن في جنوب اليمن، وسرعان ما فر هادي الذي استقرت حكومته هناك، عبر الحدود إلى الرياض، تم إطلاق أول غارة جوية سعودية ضد صنعاء في آذار 2015، وبدأ المستنقع اليمني.

الدور الأمريكي

ويصور التفسير الحالي للحرب في اليمن ائتلافاً سعودياً تدعمه الولايات المتحدة ضد اللجان الشعبية الذين ينظر إليهم على أنهم عملاء، والدليل على نفوذها المتنامي في الشرق الأوسط، أصبحت تلك الحرب هاجس ترامب وكبار مستشاريه تجاه إيران، وإثراء تجار السلاح الأمريكيين، وتصريف بضائعهم يفسر دعمهم المستمر لآل سعود ولعدوانهم الوحشي على اليمن، كما أن علاقة جاريد كوشنر مع ولي العهد محمد بن سلمان لعبت دوراً  محورياً أيضاً، لكن لا شيء من هذا يفسر الدعم الأمريكي واسع النطاق للحرب التي  تقودها السعودية  ضد هذا البلد خلال سنوات أوباما، في الواقع، قدمت إدارة أوباما 115 مليار دولار من الأسلحة إلى الرياض، بما في ذلك حزمة بقيمة 1.15 مليار دولار تم الانتهاء منها في آب 2016، عندما كان حجم الكارثة في اليمن واضحاً جداً، في السنوات الأخيرة، ازدادت معارضة الحرب في الكونغرس، حيث لعب السيناتور بيرني ساندرز والممثل رو خانا دوراً هاماً في حشده، لكن دون جدوى،  إذ لم يكن لهم أي تأثير على سياسة حرب أوباما، ومن غير المرجح أن يؤثروا على سياسة حرب ترامب جراء العقبات الكبيرة التي تعترضهم، وعليه يبقى الخطاب السائد حول الحرب هو المهيمن مع استمرار ممالك النفط في إبرام صفقات الأسلحة مع واشنطن.

وفي هذا السياق يحذر البنتاغون من حدود الدعم الأمريكي  لحرب السعودية على اليمن، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا يخشى ملوك السعودية والإمارات من أن يوقف البيت الأبيض مبيعاته لهم من الأسلحة، أو ينهي دعمه المالي لعدوانهم السافر؟.

هناك شيء واحد واضح: لم تحقق  السياسة الأمريكية في اليمن أهدافها المعلنة، بل عمل استخدام هجمات الطائرات دون طيار على ترسيخ  رواية “القاعدة” بأن الحرب الأمريكية على الإرهاب هي بمثابة حرب ضد العرب،  وبعد سنوات  من  الحرب والفوضى في اليمن تزداد قوة هذا التنظيم،  في هذه الأثناء، في خطوة قد تجعل الحرب أكثر فتكاً، يبدو أن الإماراتيين يقاتلون بمفردهم، ويدعمون الانفصال في جنوب اليمن، وقد تدفع  غارات الائتلاف السعودي وهجمات الطائرات دون طيار الأمريكية الكثير من  اليمنيين المستائين من تدمير منازلهم، ومصادرة أرزقاهم، وفقدان أولادهم وأسرهم، للارتماء في أحضان “القاعدة” في الجزيرة العربية.. باختصار، تحولت الحرب على الإرهاب إلى حرب من أجل نشر الإرهاب!.