ثقافةصحيفة البعث

المعرض الاستعادي للفنان منذر كم نقش: بداية الفن.. بداية السماء

 

استضافت صالة المركز الوطني للفنون البصرية الأسبوع الماضي  المعرض الاستعادي للفنان منذر كم نقش، ضم مجموعة كبيرة من الأعمال المتنوعة تلخص هذه التجربة الطويلة والموزعة على مجالاته التقنية من نحت وتصوير ورسومات بأقلام الباستيل والرصاص نفذت في مراحل زمنية طويلة تمتد إلى بداية الستينيات، هذه التجربة الطويلة والهامة لا يمكن الإحاطة الكافية بها دون الأخذ بالآراء النقدية التي كتبت بهذا الخصوص، فالفنان الذي قارب الثمانين من عمره ولا زال ينتج يعتبر من أكثر الفنانين السوريين تنوعا وتميزا في طريقة التعبير عن موضوعه الذي ينحاز إلى عوالم من الحلم والأسطورة ليقدمها في قوالب جمالية بسيطة دون إغراق في التفاصيل المحتشدة التي نراها عند الذين قاربوا هذه المعالم التي تنتمي للسماء أكثر من الأرض في غاية نزوع نحو طهارة الأشياء والخلق والمرأة والولادة.

في بداية التعريف بالفنان كم نقش كتب الفنان غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية: منذر بشغفه الداخلي نحات مثقف ومن أهم نحاتي الوطن، له لغة وحس النحت وعصبية النحات المقاوم للمادة الصلبة، هذا الحس هو الذي يقوده إلى تحريك تفكيره النحتي والبنائي فعلاقته بالمادة التي ينفذ بها عمله, علاقة حرفية ومقدسة، ما يجعله يغني موضوعه بتواضع وشغف يعطيه بعدا ومعنى آخر, لوحاته الأخيرة هي نتيجة مراحل أبحاثه السابقة في الشكل والفراغ لا يجب أن تفهم على أنها رسم عارٍ بقدر ما هي  متحركة أبدا، ولذا في كل موضوع تتطلب عملية معمارية متحركة.

كما كتب الناقد أسعد عرابي في نفس الصفحات التعريفية: لا يمكن أن ندرك خصوصية مبدعات منذر كم نقش إلا إذا بحثنا عن الروابط الجمالية بين منحوتاته الصغيرة البرونزية ورحابة فيافي تصويره الملون بتهشيرات الباستيل، علاقة شائكة ورهيفة تثبت أن تصويره المتأخر هو نحت المرسوم أو الملون ذلك أنه يحيك التفاصيل الحلمية “الفرويدية” بنفس الحساسية البنائية، نعثر على نفس المعالجة الكتلوية المحجمة، يرى العالم في مادتي التعبير مجموعة تكورات تكعيبية متصادمة الثنايا تماما كما هو جوهر الكون المنحوت من الصخر والتربة والأجساد الأنثوية، إنه اللقاح بين الجسد الأملس والمصفى من التجاعيد حتى الطفولة وحصى الشواطئ الذي قشر زمان النحت والزبد تغضناته الصخرية حتى قارب هيئة البيضة، تعوم أجساده الأنثوية بعريها الطهراني في قبة الفلك الأعلى متخلصة من آثام الاتصال الحسي، أكان منذر نحاتا أم مصورا يظل منذ عقود صانعا لأحلام سوريالية أفلاطونية أو بالأحرى لأشكال أسطورية تعيش في عالم “المثل المعلقة” مفترشا أرجوحة السماء ضمن طوباوية مستقيلة من الثقالة الأرضية.

وللفنان منذر كم نقش رؤيته المعرفية في الفن والثقافة والرمز في عمله: “إن لغة الفن ساهمت وتساهم في تطوير مجتمعاتنا وقد أصبحت الثقافة وانتشار المعرفة سهلة بين أيدينا عن طريق اكتشاف الأبجديات ومن ثم فن الطباعة والأدوات الحديثة منذ اكتشاف الصورة الضوئية، كل ذلك يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في البحث واختيار اللغة المناسبة كل منا حسب إمكاناته لتقديم قيم تساعد في دعم الثقافة واستمرار الحياة.

إننا مع تطور المعرفة والثقافة ندرك أننا في اتجاه البحث عن حقائق وأن هذه الحقيقة المطلقة والوصول إليها ليس بالسهولة التي نتخيلها ولكننا بتماس معها ونعمل بموجبها دون إدراكها كليا لكن الحلم والخيال والعمل على تحقيقها هما المحرك الإيجابي للوصول إلى حقائق جديدة نطور بها وسائل الحياة مادية كانت أم روحية لا يمكننا الاستغناء عنهما.

وعن استخدام الرمز في العمل الفني يقول الفنان: اعتمدت على الرمز في التعبير عن أعمالي مثل الماء وأصل الحياة والمرأة وتجدد الحياة الإنسانية وعالم النقاء الذي يحمله الطفل المولود والطير الذي يرمز إلى الحرية والانطلاق متجها نحو الفضاء الذي نستمد منه عالمنا الروحي”. بينما أضاف الناقد عمار حسن استعراضا لسيرة الفنان الطويلة من فترة الستينيات حتى تجربة التسعينيات وأوجز عن وعي التجربة وتطورها بالقول:

يمكن اعتبار فترة التسعينيات هي فترة الولادة الحقيقية مستندا على ما قدمه مجتمعا فشهدنا رسما وتصويرا بمناخ تعبيري لا يستعرض فجائع الإنسان وهمومه اليومية، مناخ تعبيري ذاتي يصور ويحاول الوصول إلى معنى الكينونة، وبلوغ مرحلة الوعي يفتح المدى على وعي أكثر, وهكذا بالنسبة للفن الذي تلاقح مع الحياة سيكون قادرا على الدوام على بلوغ الأكثر.

المعرض مستمر في صالة المركز الوطني للشهر القادم، وجدير بالمتابعة لما يتضمنه من قيمة كبيرة تضاف للمشهد التشكيلي السوري الذي حافظ على ألقه رغم سنوات الحرب ولا زال متقدما في الواجهة الحضارية والثقافية السورية.

أكسم طلاع