دراساتصحيفة البعث

حقوق الإنسان والنفاق الأمريكي

 

د. رحيم هادي الشمخي / العراق

هناك متطلبات كثيرة لتكون دولة ما دولة عظمى، ليس أقلها حرية العمل على المسرح الدولي التي تمنحها هذه المكانة، ويعلّمنا التاريخ والشؤون الراهنة أن دولة عظمى إقليمية أو عالمية هي أقل تقييداً من أية دولة أخرى بالأخلاق والقانون.

لقد كانت الدول العظمى دائماً تحت إغراء بأن تكون ذات طموحات عظمى، وهذه الطموحات غالباً لا تتحقق على أحسن وجه، بينما يوجه انتباه زائد إلى الأعراف الأخلاقية، أو إلى البروتوكولات القانونية، والنتيجة الحتمية اللازمة هي أن الدول العظمى- في أية حقبة زمنية، أو توجه سياسي- تسلك غالباً كما يسلك الطغاة، غير مبالية إلى حد كبير بالنداءات الأخلاقية، وتفسر القانون بصورة ساخرة وهي تمضي في سبيلها، تتمتع الدول العظمى، وإن لم تكن تملك قدرة كلية بحرية المناورة التي تحرم منها الدول الأضعف، ويكون ممتعاً بشكل خاص أن تكون دولة عظمى إذا كانت هي الوحيدة.

الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة  العظمى العالمية الوحيدة، وتغتبط بكونها الفاعل الأقوى، هناك قيود على سلوك الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها أقل كثيراً من القيود على الدول الأقل مرتبة، هناك أوقات تكون فيها الدول الأخرى التي لا تكون بأي حال عديمة القوة دائماً قادرة على مواجهة أهواء دولة عظمى ونزواتها وأطماعها، فتستطيع وحدها أو التنسيق فيما بينها أن تقيم عراقيل أمام الامبريالية الأمريكية، إلا أنه لا توجد دولة واحدة أو منظمة تستطيع أن تقوم بهذه الوظيفة طوال الوقت، بصفة خاصة لا تستطيع منظمة الأمم المتحدة التي تسكن الولايات المتحدة آمنة بكل القوة فيها أن تؤدي هذه المهمة، والحقيقة أن العكس هو الصحيح، فالأمم المتحدة قد أخضعت بصورة شاملة للولايات المتحدة الأمريكية لكي تنجز قائمة من الطموحات الأمريكية مثل العدوان على العراق وسورية وليبيا واليمن، وتخريب هذه الدول العربية، كذلك فتح جواز الاقتصادات الوطنية المستهدفة أمام تغلغل رأس المال الأمريكي عن طريق خلق محاكم سياسية غير مشروعة لمعاقبة دول منبوذة، وإضفاء شرعية على حرب تأديبية بلا نهاية ضد بعض الدول العربية.

إن بعض المراقبين الأمريكيين متلبدو الذهن مثل جيسي هيلمز ومن على شاكلته ممن لديهم شغف برفع نشاطات الأمم المتحدة باتجاه وجهات نظرهم الخاطئة، لا يدرك واقع أن الأمم المتحدة قد أصبحت أداة مفيدة بصورة هائلة للسياسة الخارجية الأمريكية مقابل تكلفة مالية لا تذكر لواشنطن وبلا أية متطلبات بأن تراعي ميثاق الولايات المتحدة الأمريكية الذي وقعت عليه واشنطن بين الموقعين، أو أية قوانين أخرى ذات علاقة بالأمم المتحدة، أو بروتوكولات يمكن الحكم بأنها لا تساعد المطامع الأمريكية، والمتتبع لعلاقة أمريكا بالأمم المتحدة يجد أن في أيار عام 2013 أخفقت الولايات المتحدة التي تتخذ مقرها في جنيف وهي هيئة رئيسة تابعة للأمم المتحدة تعمل برعاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهنا لاحظ فريد اكهالات وهو متحدث أمريكي أن هذه أول مرة منذ تأسيس اللجنة في عام 1947 لا تخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية في اللجنة، وهي إهانة واضحة ستسعى أمريكا إلى قلبها بأسرع وقت ممكن، وفي آذار 2014 لجأت أمريكا إلى التلاعب بالأصوات لاستعادة مقعدها، كانت ايطاليا واسبانيا تعتزمان الترشيح، ومورس ضغط عليهما للخروج من المنافسة حتى تستطيع أمريكا الترشّح بلا منازع في انتخابات أيار، كانت رغبة واشنطن في استعادة مقعدها في لجنة حقوق الإنسان مثيرة للسخرية بالنظر إلى السجل الأمريكي الضعيف في مجال حقوق الإنسان في أنحاء العالم، وكانت الأمم المتحدة الحامي الرئيس الدولي لحقوق الإنسان قد أهينت مرات عدة من أمريكا المستعدة دائماً لتجاهل مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان إذا كان ذلك يحقق مصلحة لميزة متصورة لأمريكا في الميادين الاستراتيجية والتجارية، وإضافة إلى ذلك فإن ميثاق الأمم المتحدة تعززه مجموعة من الوثائق المصممة لحماية حقوق الإنسان، وهنا نحتاج لأن نذكر فقط ما يلي: مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكولات، الاختيارات للميثاق الأخير، وقد وضع الميثاق العالمي لأكثر من ثمانين معاهدة وإعلان في نطاق الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان، ومعظم هذه الآلة الشاملة لحقوق الإنسان يجري تجاهلها من الولايات المتحدة الأمريكية في ممارساتها الداخلية، وفي حمايتها لدول مهملة في أنحاء العالم، ويمكن لنا أن نلخص الإساءات المحلية لحقوق الإنسان في أمريكا:

– تعذيب واسع النطاق في السجون: (إهانة -ضرب- إحراق- استخدام الصدمات الكهربائية- الحرمان من الرعاية الطبية- الخنق إلى ما يقرب الموت- إلخ).

– إطلاق الرصاص (المؤدي إلى الموت غالباً) على مشتبه بهم بعزل من السلاح.

– الإفراط في استخدام الهراوات التي تحدث صدمات كهربائية.

– التمثيل القانوني غير الكافي أو غيابه تماماً للمتهمين (حتى أولئك الذين يواجهون احتمال الإعدام).

– تنفيذ حكم الإعدام بمتهمين أبرياء.

– تنفيذ حكم الإعدام بأحداث.

– تنفيذ حكم الإعدام بمتخلفين عقلياً.

– تواطؤ أصحاب المهن الطبية بالتعذيب وعمليات الإعدام القاسية.

– إصدار أحكام تنطوي على تميز على أساس العنصر والطبقة والدين.

مثل هذه الإساءات المحلية واسعة الانتشار، ليس في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، وإنما في بلدان أخرى كثيرة، بعضها من أقرب الحلفاء لأمريكا في المنطقة العربية، والولايات المتحدة الأمريكية منتهكة الكثير من مواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وما يجري اليوم في العراق وسورية واليمن وليبيا لهو أكبر دليل على مصادرة أمريكا لحرية الإنسان العربي، فهي تساعد بطريقة مباشرة للقمع بالإمداد بالأسلحة للإرهاب العالمي، والدعم بطرق المراقبة وتدريب الطواقم الأمنية.

أهانت الولايات المتحدة الأمريكية- الملتزمة سياسياً ببأتظمة مثل السعودية وتركيا و”إسرائيل”- الأمم المتحدة عن طريق التشجيع على الانتهاكات الجسيمة لنصوصها المتعلقة بحقوق الإنسان، وإضافة إلى هذا ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من جرائم الحرب الإنسانية في أنحاء العالم، ليس أقلها ما ارتكبته ضد العراق وسورية، وإضافة إلى هذا وذاك، من انتهاك روح ونص كثير من قرارات الأمم المتحدة وإعلاناتها وبياناتها ارتكبت أمريكا أعمالاً كثيرة، وتخدع واشنطن أنها تريد تأديب دول العالم المحبة للدين والسلام.