تحقيقاتصحيفة البعث

 حكم الخالة زوجة الأب.. حنان يعوض فقدان الأم أم ممارسات تزرع الحقد والكراهية؟!

يحمل طفله الرضيع في كل صباح إلى الروضة ريثما يعود من عمله، أما بقية أطفاله فيتجهون إلى مدرستهم بعد أن يكون والدهم أعدّ لهم مستلزماتهم المدرسية، ليعود عند الظهيرة حاملاً طفله مع حاجات المنزل، ويبدأ مسيرة التدبير المنزلي، وتلبية حاجات أطفاله الثلاثة بعد أن توفيت زوجته تاركة خلفها فلذات أكبادها الذين رفض والدهم الزواج من امرأة ثانية تحت ذريعة الخوف من أن تقسو هذه الخالة على أبنائه، فعلى الرغم من الضغوط المنزلية، وضغوط مجتمعه المحيط به الذي يدفعه للزواج مرة ثانية كي تستقر حياته وحياة أطفاله، إلا أن صورة الزوجة الثانية للأب التي كانت ومازالت على مدى العصور مترافقة بشتى أنواع التعذيب والعنف الجسدي والنفسي للأطفال الأبرياء جعلته يتحمّل التعب الجسدي على أن يترك أبناءه تحت حكم “خالة” لا تملك الرحمة في قلبها لأبنائه.

 

دراسة

أشارت دراسة إلى أن الأطفال الذين تربيهم زوجات آبائهم هم عامة عرضة لقلة الرعاية الصحية الجيدة، والتأخر في التعليم، وانخفاض المصاريف التي تنفق على تغذيتهم، مقارنة بالأطفال الذين تربيهم أمهاتهم البيولوجيات، ما يدعم الروايات والقصص القديمة التي تعطي الصورة السلبية عن زوجات الآباء، وفي المقابل توصلت دراسة أخرى إلى أن نسبة قد تتجاوز 40 بالمئة من زوجات الآباء تحاول مع شريك حياتها إرضاء أطفاله ورعايتهم، فغالباً ما تحاول زوجة الأب أن تتعاون مع شريك حياتها كي لا تقصّر في دورها الاجتماعي، وأوضح الباحثون أنه إذا ما حاولت الزوجة الجديدة التنافس على مكانة الأم البيولوجية فإن محاولتها سوف تبوء بالفشل، لأن الرابط النفسي والمعنوي للأم البيولوجية كبير جداً، فليس بإمكان زوجة الأب أن تعوض دور الأم، ولكن بإمكانها أن تكون صديقة لأطفال زوجها، وأن تسعى إلى رعايتهم وإرشادهم.

حالات جديدة

وعلى الرغم من محاولات الكثيرات من زوجات الآباء تفنيد الصورة السلبية للخالة زوجة الأب، إلا أن النظرة السائدة في مجتمعاتنا عنها طغت على جميع هذه المحاولات، فكثيرة هي القصص التي نسمعها عن زوجة الأب التي استطاعت كسر القاعدة النمطية السائدة، وكسب ثقة ومحبة الأب، والوصول إلى علاقة الصداقة مع الأطفال وتربيتهم كما لو كانت والدتهم موجودة، ويرجع الكثيرون المسؤولية في الوصول لصيغة تفاهم مشتركة بين الأبناء والخالة “زوجة الأب” إلى الأب من خلال سعيه لإقامة علاقة متينة بين زوجته الجديدة وأبنائه، لا أن يتخلى عن أبنائه ويتركهم عرضة للتحكم من الزوجة الجديدة، كذلك يتوقف الأمر على درجة وعي الزوجة الجديدة، وبحثها عن حياة هادئة بعيدة عن إثارة الفتن من خلال تقبّلها للنظام العائلي الموجود في الأسرة التي انتمت إليها مؤخراً، وعدم محاولتها فرض نظام خاص بها ولو إلى حين كسب ثقة واستمالة قلوب الأبناء، ووعيها بأن زرع الحقد والكره بين الأب وأبنائه لن يصب في صالحها، بل من الضروري خلق نمط خاص يربط ويقوي أفراد الأسرة الجديدة التي انتمت إليها.

غرس المحبة

الصورة السلبية عن “الخالة” زوجة الأب الجديدة ليست وليدة اليوم، بل توارثها المجتمع نتاج ثقافته وتقاليده، برأي الدكتورة فريال حمود، “كلية التربية”، وكرّست وسائل الإعلام هذه الصورة من خلال تصويرها لكثير من القصص والحالات التي تظهر “الخالة” بمظهر الشريرة التي تهدف إلى هدم المنزل، وغرس الكره والفتنة بين الأب وأبنائه وتشريدهم، ونسوا رصد النماذج الإيجابية الأخرى التي باتت منتشرة في هذا الزمن أكثر من الصورة السلبية المأخوذة، فكثيرات هن “الخالات” اللواتي كن بمثابة الأم في رعاية الأبناء، واستطعن بذكاء إعادة التوازن للأسرة التي فقدت مصدر الحنان، وأكدت حمود على الدور الكبير للأب في حفظ التوازن النفسي للأسرة بكاملها، فعليه ألا يتجه بكل اهتمامه إلى زوجته الجديدة ويهمل أبناءه، لأن سعادته الحقيقية في سعادة كل أفراد الأسرة بالحب والتفاهم والعدل في المعاملة بين زوجته وأبنائه، فأغلب حالات الزواج الثاني للرجل يكون بدافع حبه لأبنائه لا بدافع الأنانية، فمتطلبات الأبناء كبيرة، وأعباؤهم مرهقة للرجل، ومن هنا عليه البحث عن زوجة واعية متفهمة لوضعه، وقادرة على تربية أبنائه، والانخراط بالجو الأسري الجديد، وغرس المحبة والتفاهم بينها وبينهم، ما ينعكس إيجاباً على علاقتها بالأب، لا محاربة الأبناء، ومحاولة إكراه الأب لهم، الأمر الذي يؤدي بها إلى نتائج سلبية تنعكس عليها بالضرورة كونها العنصر الدخيل على هذه الأسرة.

ميس بركات