رأيصحيفة البعث

زمن “الرماديين” انتهى

نعم، دخلت منطقتنا والعالم مرحلة مغايرة،  وبدأت ترتسم معالم التحالفات الجديدة، حيث لا مكان لمن يقف في المنطقة الرمادية، وتتغير مواقفه وفقاً لما تقتضيه مصالحه الآنية، ويتبع سياسة اللعب على الحبال كوسيلة للابتزاز وبيع المواقف، والانتقال من حضن إلى آخر وفقاً للمزاجية والأهواء الشخصية. بعبارة أخرى نحن نشهد نقطة تحوّل كبرى ومرحلة فاصلة بين أفول نجم هيمنة القطب الواحد وولوج عالم متعدّد الأقطاب، أفرزته المتغيّرات الدولية خلال ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن، وحدّدت معالمه بوضوح نتائج الحرب على سورية.

ما حدث ويحدث من تحوّلات تؤكّد أن الغرب بات مجبراً على القبول بأطراف أخرى تشاركه في صياغة القرار العالمي وإعادة النظر في العلاقات الدولية، دفع الولايات المتحدة وحلفاءها للقيام بمحاولات يائسة لضرب التحالفات الجديدة مرّة بتسويق رئيس النظام التركي كداعية أمن وسلام، ومحارب للإرهاب عبر اللعب بورقة التنظيمات التكفيرية المدعومة أمريكياً وخليجياً في إدلب لوقف العملية العسكرية ضدها، ومرة عبر السعي للحصول على مكاسب سياسية مقابل سحبها، أو القبول بالقضاء عليها في حال عدم امتثالها للمطالب الغربية.

بالتوازي، حاول نتنياهو زرع بذور الخلاف بين سورية وروسيا عبر ارتكاب حماقة بإسقاط الطائرة “ايل 20″، والتي جاءت نتائجها بعكس ما يشتهي، بل إن رد الفعل الروسي بتزويد سورية بمنظومة صواريخ “إس 300″ المتطورة أوصل الرسالة التي يجب أن يفهمها كل من يحاول الاصطياد في الماء العكر، والتي تفيد بأن ضرب العلاقات الاستراتيجية بين دمشق وموسكو، والقائمة على احترام السيادة والمصالح المشتركة والثقة ووحدة التوجّه، أمر بعيد المنال، وأن الطعن في الظهر لا يمكن بأي حال محو آثاره باعتذار أو بتبريرات غبية واهية أو حتى دفع تعويضات، وأن على الجميع الإذعان لقواعد الاشتباك الجديدة، وغير ذلك يعني الرد بالمثل حتى لو أدى ذلك إلى تدحرج كرة اللهب، وتمّ الذهاب في المواجهة حتى النهاية لإرساء وتثبيت المعادلات الدولية الجديدة.

نعتقد أن درس الـ ” ايل 20″  قد فهمته “إسرائيل”، فبعد أن قضت سورية على أدواتها من مرتزقة القتل الجوال باتت اليوم جاهزة لصد أي عدوان خارجي بالتعاون مع الحلفاء، ذلك أن أي استهداف جديد لا يقصد به الدولة السورية فحسب، بل محور يمتد من سورية، مروراً بالعراق وإيران، وصولاً إلى روسيا، وهذا ما سيجعل قادة الاحتلال يفكرون ألف مرة قبل القيام بعدوان، خاصة بعد رد موسكو الحازم على محاولات كيان الاحتلال تمييع الحدث وامتصاص الغضب الروسي، حيث تمّت مخاطبته باللغة التي لا يفهم غيرها، وهي لغة القوة، والتي ستحدد مسار العلاقات من الآن وصاعداً، فوسائل توازن الردع باتت جاهزة، وعلى الجميع بمن فيهم من يعتبرون أنفسهم فوق دائرة المحاسبة الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية.

كما أنه يتوجب على أردوغان، الذي ما يزال يتاجر بـ “اتفاق إدلب”، إدراك أن التنفيذ مرتبط بمهل زمنية محددة، وعليه أن يوضّح موقفه بالأفعال والتوقّف عن إطلاق التصريحات العنترية، التي لا طائل منها، فإما أن يضغط على المجموعات الإرهابية لتسليم سلاحها، أو الاعتراف بالعجز ليتوضّح المشهد على حقيقته أمام الرأي العام العالمي وأمام  من لا يزال يصر على إبقاء الغشاوة أمام عينيه في إطار محاولاته مواصلة الاستثمار بسلاح الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية.

بالنتيجة: زمن التسويف والمماطلة والعدوان بذرائع مفبركة ولّى إلى غير رجعة، ومن لم يقتنع بما أفرزته حركة التاريخ وتطورات الميدان العسكري، ويريد إبقاء النار مشتعلة متكئاً على فلول عصابات القتل والإجرام، وشن اعتداءات بين فينة وأخرى، أن يستعد لرد يجعله يرضخ لحكم الأمر الواقع.

عماد سالم