أخبارصحيفة البعث

مع الأحداث أوروبا تلتف على عقوبات ترامب

 

استدارة مفاجأة اتخذتها دول أوروبا ضد عقوبات دونالد ترامب الاقتصادية، وهذه الاستدارة تحمل في مضمونها تلميحاً صريحاً للانعتاق من التبعية السياسية، والهروب من تنفيذ الإملاءات الأمريكية، التي لم تأخذ مصالح الحلفاء الأوروبيين على محمل الجد.

لقد كان لزاماً على أوروبا الهروب إلى الأمام من العقوبات الأمريكية على إيران والتي تضر بمصالحها، وذلك عبر إنشاء آلية لتجنّب سريان مفعول هذه العقوبات، ولهذا الغرض قررت أوروبا إنشاء كيان قانوني لإجراء معاملات مالية مع إيران، ما يسمح للشركات الأوروبية بالعمل مع إيران وفقاً للقوانين الأوروبية بعيداً عن إملاءات قوانين ترامب.

الكيان المزمع إنشاؤه هو كيان لأغراض محدّدة،  ويمكن أن يقوم مقام بورصة تتم فيها المعاملات المالية، أو أن يشكل منظومة مقايضة متطوّرة تتيح للشركات المعنية الإفلات من العقوبات الأميركية والالتفاف عليها، لأنه قبل فرض العقوبات عام 2012 كان الاتحاد الأوروبي أكبر شركاء إيران التجاريين، وشهد عام 2016 ازدهاراً كبيراً في التجارة بين البلدين، وفي عام 2017، بلغت قيمة الصادرات الأوروبية إلى إيران من البضائع والخدمات 10.8 مليارات يورو (12.9 مليار دولار)، بينما بلغت قيمة الواردات إلى الكتلة الأوروبية 10.1 مليارات يورو، وبلغت قيمة الواردات ضعف أرقام عام 2016 تقريباً، وكانت غالبية واردات الاتحاد الأوروبي من إيران منتجات مرتبطة بالطاقة، إذ تجاوز المنتجات البترولية وغيرها من أنواع الوقود 75 في المئة من الواردات.

لهذا فإن رفض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الخطوة الأمريكية وتمسكها بالاتفاق النووي مع إيران، والتصدّي لقرار ترامب هو في الأساس لحماية الشركات الأوروبية من الإجراءات العقابية الأمريكية، وبالطبع مثل هذه الخطوة الأحادية أزعجت الشريك الأمريكي، وهو ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو: إن خطط الاتحاد الأوروبي التحايل على العقوبات الأمريكية ستشكل أكثر الإجراءات غير المنتجة التي يمكن تخيّلها، وشاركه الرأي جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي بالقول: “إن الاتحاد الأوروبي كثير الكلام وقليل الأفعال، ولن نسمح بتفادي عقوباتنا من قبل أوروبا، أو أي طرف آخر”.

في الواقع إن الآلية التي أوجدها الأوروبيون هي أقرب ما تكون إلى وسيلة لإيجاد نظام للمقايضة، يشبه ذلك الذي استخدمه الاتحاد السوفييتي السابق إبان الحرب الباردة، وذلك لتبادل النفط الإيراني مقابل سلع من دون استخدام النقد بهدف الإفلات من العقوبات الأميركية، وهو ما يشكّل ضربة لواشنطن.

ومادامت أوروبا اتخذت قرارها، فهذا قد يقود إلى حرب تجارية ضدها، وقد يعاد ترتيب الاصطفافات الاقتصادية إلى جانب الصين وروسيا لعزل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً أن قادم الأيام ينبئ بحرب تجارية قد تعيد ترتيب وجه الاقتصاد العالمي.

علي اليوسف