دراساتصحيفة البعث

أيلول ماكرون الأسود.. كيف هوى الرئيس الفرنسي؟

 

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع نيوز تيتسمان 29 أيلول 2018

ما زال ماكرون يلاقي نجاحاً على الصعيد الخارجي، لكن في فرنسا، انخفضت شعبيته إلى 23 في المائة فقط. لم يكن فصل الخريف، بعبارات ملطفة، جيداً بالنسبة لحكومة إيمانويل ماكرون. يُعرف هذا الوقت من السنة في فرنسا باسم “العودة”، اللحظة التي يعود فيها معظم الفرنسيين من عطلاتهم الصيفية ويعيدون تجميع طاقاتهم. تقليدياً، سيخاطب الرئيس الأمة في خطاب استعراضي يحدّد رؤيته للمستقبل. إنه جزء ثابت من التقويم الفرنسي مثل رسالة  الملكة في عيد الميلاد في المملكة المتحدة.

لكن ماكرون خالف هذا التقليد هذا العام، وأجّل خطابه حتى تشرين الأول. رسمياً، لأن الخطاب لم يُستكمل بعد. بشكل غير رسمي، من الواضح أن ماكرون يحاول كسب الوقت لمعالجة سلسلة من الأزمات غير المتوقعة التي ظهرت نهاية الصيف. لن يعترف أحد في قصر الإليزيه بذلك، لكن المزاج العام أصبح الآن  في حالة من الارتباك.

أكبر تحدٍّ يواجه ماكرون هو استقالة ثلاثة وزراء في تتابع سريع. وكان أول من غادر نيكولا هولو، وزير البيئة البالغ من العمر 63 عاماً، الذي استقال في نهاية آب. لم يكن لدى ماكرون ما يشير إلى أن هولو، أحد نشطاء البيئة الذي رفض عروض العمل من الرؤساء السابقين، سيقدم استقالته. الأسوأ من ذلك هو أنه استقال على الهواء مباشرة عبر الإذاعة العامة، معلناً أن حكومة ماكرون لا تفعل شيئاً أو لم تفعل شيئاً لمعالجة تغير المناخ.

تبعت هذه الاستقالة بعد أسبوع من ذلك استقالة لورا فليسيل، وزيرة الرياضة، وسط شائعات عن سوء الإدارة المالية، وأخيراً -الأكثر ضرراً من كل ذلك- إعلان وزير الداخلية جيرار كولومب البالغ من العمر71 عاماً أنه ينوي ترك الحكومة للعودة لمنصبه السابق كعمدة ليون في عام 2020. ساعد كولومب الأشيب المخضرم والسياسي من العيار الثقيل ماكرون في تأسيس حزب “إلى الأمام”  En Marche! الذي أُسّس حديثاً ويبدو أنه بحاجة قوية  للمصداقية المطلوبة في أحزاب اليسار. في مقابلة مطولة مع L’Express، لم يقم كولومب بشنّ هجوم مباشر على ماكرون، لكنه أشار فقط إلى أن الحكومة -التي تعني الرئيس نفسه- “تفتقر إلى التواضع”.

لقد كان ذلك واضحاً منذ فترة طويلة للجمهور الفرنسي من خلال رد ماكرون على قضية بينالا الفضيحة التي أحاطت باعتقال أحد حراسه الشخصيين، ألكسندر بينالا، بسبب انتحال صفة ضابط شرطة والقيام بضرب المتظاهرين في مسيرة يوم عيد العمال. كان أحد أسرار القضية العالقة هو لماذا بقى ماكرون سرياً جداً وبطيئاً جداً في معاقبة بينالا  الذي لا تُعرف حدود دوره في فريق الرئيس؟!.

وكانت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف (المعروف سابقاً باسم الجبهة الوطنية) شنّت هجوماً على ماكرون، محذرة من أن قضية بينالا قد تصبح قضية ماكرون. وقد وعد الرئيس أخيراً بمعالجة الأمر في خطابه الذي سيلقيه في شهر تشرين الأول، تاركاً الانطباع بأنه وفي أحسن الأحوال غير ملمّ بالحقائق.

ومع هذا كله، وبالنسبة للعالم الخارجي لا يزال ماكرون، البالغ من العمر 40 عاماً، أصغر زعماء فرنسا منذ نابليون، يلاقي نجاحاً، ويُنظر إليه ضمن الاتحاد الأوروبي، بالتحديد، على أنه دبلوماسي ماهر. كما أظهر إذلاله لتيريزا ماي في قمة سالزبورغ، وواجه بثقة حكومة المملكة المتحدة ومشروع البريكست، رغم أنه كان أقل نجاحاً في إقناع أنجيلا ميركل بالحاجة إلى إصلاح منطقة اليورو.

لكن القصة مختلفة بشكل واضح في فرنسا، إذ أصبح الفرنسيون غير صبورين بشكل متزايد نتيجة الدلائل الملموسة على أن الإصلاحات التي وعد بها ماكرون خلال حملته الانتخابية عام 2017 لا تحقّق النتائج المرجوة. يبدو ماكرون للجمهور الفرنسي وكأنه متعجرف ومنفصل عن الواقع، وهي صورة كرسها الرئيس عندما قام مؤخراً بازدراء بستاني عاطل عن العمل ساخراً منه أن عليه تغيير مهنته للحصول على وظيفة في صورة مماثلة لنصيحة نورمان تيبيت عام 1981 للعاطلين عن العمل باستخدام دراجاتهم والبحث على عمل.

وتظهر أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة YouGov أن معدل شعبية ماكرون قد انخفض إلى 23 في المائة فقط، وهي نسبة أقل من نظيره السابق التي هبطت إلى  27 في المائة في آب.

ومن المثير للقلق بالنسبة لفرنسا أن من يُسمّى بـ جوبيتير المنقذ، ظهر أسوأ من سلفه الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي كان الرئيس الفرنسي الأقل شعبية في التاريخ، على الرغم من أن ماكرون فاز بـ 24 في المائة فقط من الأصوات في الجولة الأولى من انتخابات 2017 قبل فوزه الساحق ضد لوبان في جولة الإعادة. وفي الوقت نفسه، يتقدّم اليمين المتطرف الفرنسي مرة أخرى ليصبح التيار السائد. يتعادل حزب لوبان تقريباً مع ماكرون في استطلاعات الرأي في الانتخابات الأوروبية 2019.

في هذه الأثناء، أصبح جون لوك ميلينشون، كبير المنافسين اليساريين للرئيس، الذي احتل المركز الرابع في انتخابات عام 2017 بنسبة 19.6 في المائة من الأصوات، أكثر الزعماء السياسيين شعبية في البلاد.

يزعم العديد من أنصار ماكرون أن هناك تصورات سلبية مسبقة عن أفعال ماكرون، لكن هذه التصورات خاطئة، على سبيل المثال، باعتباره مصرفياً سابقاً في روتشيلد، فهو “رئيس الأغنياء” ويزدري الناس العاديين. وهذا ببساطة غير حقيقي، ويصرون، مشيرين إلى معركته التي أعلن عنها مؤخراً والتي تشمل 8 مليارات يورو، تهدف إلى مساعدة تسعة ملايين فرنسي يعيشون تحت خط الفقر.

والسؤال الحاسم هو ما إذا كان الرئيس يعاني من أزمة قاتلة أم أنه مجرد ركود تقليدي، وإن كان شديداً، في منتصف المدة. لدى ماكرون موهبة للارتجال ولتحويل مواقف مستعصية على ما يبدو لمصلحته. لكنه سيظل يعمل لاستعادة زخم عام 2017، عندما فاز بالرئاسة بعد عام واحد فقط من تأسيس حزبه. لكنه لن يواجه الناخبين مرة أخرى حتى عام 2022. ومع ذلك، حتى أكثر مؤيدي ماكرون حماسة يخشون أنه، من دون إعادة تغيير صورته بشكل جذري، يمكن أن يتعرّض للانتقاد الدائم. قد يكون الرئيس الفرنسي “ملكاً جمهورياً”، لكن الناخبين يتوقون منه لأكثر من النزوع الأرستقراطي!.