دراساتصحيفة البعث

دروس الحرب التجارية

ترجمة: سلام بدور

عن موقع فالداي كلوب 24/9/2018

مقارنة مع العديد من القوى العالمية بما في ذلك روسيا، فإن الصين لا تزال بحاجة إلى المزيد من الخبرة في التعامل مع القضايا الدولية، وهكذا فإن الحرب التجارية بين أمريكا والصين تعدّ درساً جيداً جداً للصين، وخاصة بعد دخول هذه الحرب التي استمرت بضعة أشهر في دورة جديدة مع إعلان مكتب الممثل التجاري الأمريكي رسمياً أنه سيفرض تعريفة إضافية على الواردات الصينية بقيمة 200 مليار. ورغم ذلك لم يكن للحرب التجارية التي شنّتها الولايات المتحدة على الاقتصاد الصيني أي تأثير، فالضغط المتزايد الذي حدث مؤخراً بين المصدّرين الصينيين وتقلبات سوق الأسهم وحتى النقاشات الساخنة حول العالم لم تكن سوى أحدث ردود الصين، أكبر بلد تجاري في العالم، تحت تأثير الضغط الأمريكي.

وعلى الرغم من ذلك لابد وأن تؤتي هذه الحرب التجارية ثمارها المريرة في مجالات أخرى، فهناك احتمال أن يتمّ توسيع هذه المعركة لتشمل القطاع المالي، لأن الهيمنة الأمريكية، التي لا نظير لها في القطاع المالي الدولي، ستستمر حتماً في إثارة المشكلات مع الصين بوصفها أكبر دائن في الولايات المتحدة ولن تستسلم أبداً. أما فيما يتعلق بالقضايا الأمنية فما يثير القلق أكثر أن الإنفاق الدفاعي الأمريكي والذي تُقدّر قيمته بـ ٧٠٠ مليار دولار أمريكي لابد أن يجد مخرجاً، فالوجود المتكرّر للبحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي وتدخلاتها في شؤون تايوان يشيران إلى أن الولايات المتحدة تسرع في تحولها من التسامح إلى احتواء الصين.

من جهة ثانية كان لهذه الحرب التجارية فوائد عديدة، حيث أظهرت قدرة الولايات المتحدة بوصفها المهيمنة رقم ١ على ممارسة أقصى قدر من الضغط والردع على البلدان في ظل حقبة الانتقال غير المسبوقة في التحول الدولي. وبحسب إيمانويل والرشتاين فإن تراجع الهيمنة الدولية أبعد ما يكون عن الاتجاه السائد، وغالباً ما تحافظ الدول على هيمنتها لفترة طويلة كما هي حال الولايات المتحدة في حربها التجارية مع الصين، حيث لا تزال تحتفظ بهيمنتها على الدول بكافة الطرق مما جعل الراديكاليين يدركون بأن التنبؤات المختلفة مثل استبدال الرقم ١ بالرقم ٢ بعيدة عن الواقع في المستقبل القريب. ومن فوائد هذه الحرب التجارية أيضاً أنها جعلت الصينيين أكثر وعياً بالوضع الإنمائي الراهن لبلادهم، ودورها في مسرح الحياة، فلا يجب أن يكون هناك أية أوهام بأن الصين سوف تخسر في هذه الحرب، فالقتال حتى النهاية سيكون موقف الصين الذي لا يلين.

ومن الناحية الموضوعية يبلغ إجمالي حجم الاقتصاد الصيني 82 تريليون يوان صيني، بينما تمثّل التجارة الخارجية البالغ عددها 8 تريليون ١٠% فقط، وهكذا فإن التجارة الصينية- الأمريكية تبلغ نحو الثلث فقط. كما يبلغ تأثير هذه الحرب على معدل النمو الاقتصادي الوطني الإجمالي في الصين من ٠،٢ إلى ٠،٥ مما يعني بأن الصينيين قادرون على التعامل مع ذلك، وهم يدركون تماماً بأن الاقتصاد الصيني لا يزال في طور النمو جنباً إلى جنب مع التكنولوجية الصينية المتطورة.

أما بالنسبة للصناعات الأساسية فلا يزال هناك الكثير للقيام به، كما يوجد العديد من المهام التي يجب إنجازها بما في ذلك تخفيف حدة الفقر. في الحقيقة فإن الصين لم تصل بعد إلى درجة الرضا التي تريدها، حيث لا يمكن للاقتصاد الصيني الوقوف واجتياز الاختبار إلا إذا بقيت الصين صامدة، ومصمّمة على المضي قدماً في الإصلاح، وبناء السياسة والاقتصاد، والتوسع والانفتاح في السوق المحلية، لأن إصلاحات النظام الصيني وتدويلاته أصبحت مصدر قلق كبير في العالم، حيث تعتبر الصين الأبعد من بين جميع البلدان عن مسار حضارة العالم لعدة مئات من السنين، لذلك من الضروري في هذا العصر التعددي أن تستغل كامل مزاياها بين مختلف الحضارات، وتسعى مع غيرها من الصناعات الناشئة والقديمة للوصول إلى طليعة التقدم العالمي المتحضّر ما قد يشكل اختباراً صعباً لا يمكن إهماله بالنسبة للصين.

من جهته قال الرئيس ماو تسي تونغ إن الصين بذلت الكثير من الجهود للتعلّم من الغرب، ولكن للأسف لقد تعرضت للضرب من قبلهم مراراً حتى بات من الواضح بأن هذه الحرب التجارية لن تعيق الصين عن دعم علاقاتها مع الغرب، وترامب وحده لا يمثّل الغرب بأكمله، حيث تمكّن الصينيون هذه المرة من تكوين صورة أكثر وضوحاً، وحتى أكثر الدول تطوراً وتقدماً والأقوى في الغرب لديها حتماً بعض الاضطرابات المتقطعة، وقد تكون هذه المرحلة مقدّمة لعملية تاريخية طويلة، فالتجارة بين الصين والولايات المتحدة والتي تشكلت بشكل طبيعي لسنوات تعتبر عملية تبادل منطقية بين أكبر دول العالم نمواً وأكبر اقتصاد نامٍ لا يمكن التعامل معها بطريقة التخويف والخداع والقمع.

كما يفكّر الصينيون في هذه اللحظة الحرجة بمصير أولئك الذين تضرروا من عصا الغرب وخاصة روسيا، ولذلك فإن تعميق التعاون الصيني الروسي ليس في الواقع نتاج أي نزوة، كما لا يمكن تفسيره بمصطلحات غير دقيقة مثل التحالف الاستبدادي، وإنما سيكون عبارة عن علاقات ثنائية لا يمكن تعويضها في التاريخ الطويل، مما يشير إلى حقيقة وجود طريق طويل للتطوير المشترك بين الصين وروسيا. وبالمقابل فإن تراجع الغرب سيكون أيضاً عملية طويلة وغير متوقعة، لذلك فإنه وإلى جانب الحرب التجارية لا يمكن معرفة ما ستكون الكارثة غداً!.