ثقافةصحيفة البعث

“فــيـه أمــــل”.. أمــــل عــرفــــة والأشــــجـــار الـمـثـمــرة

الاسم نفسه”فيه أمل” كما وأنه يحمل إيحاء بالأمل الذي تلوح بوارقه في سماء البلاد، بعد أن أظلمت لسنين طوال، وهو يعرض على قناة “لنا” الدرامية كما تُقدم نفسها إلى الجمهور.

البرنامج ورغم كونه نسخة عن عدة برامج فنية موجودة على الشاشات العربية والمحلية بآن، إلا أن ميزة “أمل” كمقدمة للبرنامج، هو أنها بنت هذا الوسط، ولدت وشبت فيه، ولديها من الخبرة ما يؤهلها للإمساك بزمام حوار فني تفاعلي، أقله أنه ليس معدا بأكمله سلفا، و”فيه أمل”، هو اسم البرنامج الفني الذي تقدمه الفنانة السورية “أمل عرفة”-1970-، في مقاطعة بين اسمها وأغنية السيدة “فيروز” التي تحمل أيضا أسئلة المقدمة، عما هو على الورق حسب حديث الضيف وإلى أين يمكن أن يذهب في إجاباته، كما حصل في الحلقة التي استضافت فيها “أمل” الفنانة القديرة “منى واصف”، ليرى المشاهد ويستمع إلى جانب جديد عليه بمعرفته بهذه الممثلة السورية التي حفظها بوجدانه، والتفاعل الذي كانت المقدمة تبديه، ليس تفاعلا مفتعلا، بل هو ببساطة طبيعي وحقيقي، فهؤلاء أهلها وأحباؤها وأصدقاؤها في الوسط الفني وفي الحياة، كما أنها–أي أمل عرفة- لا تقاطع الضيف بشكل متكرر، بقدر ما تكتفي بالاستماع، والاستمتاع أيضا، خصوصا وأن ضيوفها هم أهل الفن عموما كما ذكرنا سالفا، وهذا جاء في صالح البرنامج، الذي تم فيه رفع الكلفة الرسمية والأسئلة المملة والمكررة المأخوذة بطريقة ال “كوبي-بيست”، لتكون العفوية بشكلها اللطيف هي الحاضرة والمهيمنة على المزاج العام للبرنامج.

الممثلة والمغنية صاحبة العديد من الأدوار المهمة في الدراما المحلية، لم تعطِ أذنا لكل الكلام الذي قيل في حقها وفي حق البرنامج، لأنه كلام شخصي، يسعى للنيل من جودة البرنامج أولا، وكذلك النيل من طبيعة مقدمته!، وكأن الفنانة “عرفة” هي أول الممثلات أو الممثلين الذين اشتغلوا إلى جانب حياتهم العملية في التمثيل والغناء، بتقديم البرامج الفنية، ومنهم من أظهر براعة في خياره، ومنهم من انطفأ سواء كفنان أو كمقدم، إلا أن وجها فنيا عرفه الجمهور المحلي والعربي جيدا، يجيد ببساطة ما يفعله، ويتقن بتوظيفه للعفوية المعروفة عنه، لصالح العمل الذي يؤديه، هو وجه دائم التجدد عند الجمهور، أينما حل سواء في عمل درامي تلفزيوني، أو في أغنية غنتها بصوتها، أو كمقدمة برنامج كالذي نحن في سيرته، والذي تحكي نسب المشاهدة المرتفعة عنه، أنه نجح في الوصول الى قلوب الناس والعمل الجيد، تلوح بوادر نجاحه من الحلقات الأولى، وهذا ما يهم، فالبرنامج عموما، لطيف على النفس كما يقال، الحوار الدائر بين الضيف ومضيفته، فيه الكثير من المعلومات الممتعة والحكايات الشخصية غير المعروفة للجمهور، والتي لا يحكيها أي ضيف، خصوصا إن كانت تتناول شأنا من شؤونه الشخصية، إلا عندما يشعر أنه في بيته، وهذا ما سعت “أمل” لجعله قابلا للتحقيق، باعتبار أغلب من ظهر معها حتى الآن، هم كما ذكرنا عائلتها الفنية الكبرى، وبالتالي من الطبيعي أن تشعر مثلا السيدة “واصف” بالأريحية في حديثها، كما كان الأمر مع الفنان اللبناني”مروان خوري” والممثل السوري “رشيد عساف”.

بالتأكيد الكمال ليس صفة تُنشد في أي عمل بشري، لكنه أيضا ليس مستحيلا، وما سيعجب فلانا من الناس ربما لن يعجب علتانا وهكذا، لكن الأكيد أن البرنامج حتى اليوم يقدم عملا احترافيا بعدة جوانب غابت عن اللقاءات الفنية السائدة على الشاشة، ليست بالتقنية فقط، فالديكور هادئ، بسيط، يوحي بالألفة، وهذا ما يجعل “الأريحية” الحاضرة في “فيه أمل” تنعكس تلقائيا على الجمهور المتابع، الفواصل الإعلانية ليست من تلك التي تجعل كثرتها المشاهد يبدأ بالتقليب بين المحطات حتى يرى ما يعجبه فيقف عنده، والضيوف هم حتى اليوم من الذين يتفق الجمهور على كونهم أحبائه على الشاشة الصغيرة.

أمل عرفة الفنانة السورية الشاملة، لن يكون بالعسير عليها أن تجد مفاتيحها الخاصة في العمل كمقدمة برنامج فني، تختلف فيه شخصيتها 180 درجة عن مقدمات هذا النوع من البرامج، إنها ليست مضطرة لتقليد أحد، وإن أرادت أن تبتكر شخصية خاصة بالبرنامج، فإنه بالأمر اليسير عليها، فالممثلة التي خاضت في الكثير من الأعمال الدرامية، سوف تخترع في حال الحاجة إلى ذلك، الشخصية التي تريد لها أن تظهر وأن تقوم بهذه المهمة، فهي ممثلة وخريجة الأكاديمية السورية للفنون، واحدة من أعرق الأكاديميات الفنية في الوطن العربي، عدا عن كونها ابنة بيت فني عريق أيضا، الفن والفنون كانت لعبتها المفضلة في طفولتها، ما جعل مخزونا هائلا من القدرة على التعبير بالعديد من الطرق، وكأنه عجينة لينة بين يديها، تشكلها كيفما تشاء، ولن يفوت من قرأ الهجوم التي شنته إحدى الصحف الخليجية عليها، أنه هجوم شخصي فقط، لا معايير مهنية أو فنية له، وما الهدف منه إلا ضرب سمعة البرنامج، والتقليل من شأن نجمة سورية نحبها ويحبها الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، وهكذا فالقافلة تسير، والحجارة لا تُرمى كما تعلمون إلا على الأشجار المثمرة.

تمّام علي بركات