صحيفة البعثمحليات

المركز الوطني للبحوث واستطلاع الرأي يفتح نقاشاً حول آليات التفاضل والدور الاجتماعي في خيارات التعليم العالي طيفور: لا خارطة لتحديد احتياجات سوق العمل.. والتوظيف المباشر لـ 10% من خريجي المعاهد

دمشق– ريم ربيع

قد يكون من الصعوبة فصل ميول ورغبات وقدرات التخصص عند الطالب عن الحاضنة الاجتماعية والثقافة الجمعية التي لا تعترف في كثير من المسارات بالخيار الدراسي للفرد الذي لطالما وجد نفسه مجبراً لا بطلاً أمام محيط تستهويه المفاخرة وتغريه الألقاب ذات الصفة النخبوية علمياً، ومن منطلق تحديات التفاضل على المستقبل والدور الاجتماعي في خيارات الطالب قدم الزميل علي قاسم رئيس قسم المحليات في صحيفة البعث ورقة عمل في الندوة الأسبوعية التي يقيمها المركز الوطني للبحوث واستطلاع الرأي والتي حرص معاون وزير التعليم العالي د.رياض طيفور  على المشاركة في النقاش حول إشكاليات التفاضل وسوق العمل والتعليم المهني، وانطلق قاسم من التساؤل حول عدد الطلاب الذين اختاروا اختصاصاتهم الجامعية بمعزل عن “جذوة المفاخرة الاجتماعية” أو إملاء المجموع الوافر في الثانوية العامة؟ عدا عن الصعوبات التي تواجه الطالب لدى اختياره التخصص الذي سيدرسه ومنها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.

وأشار رئيس قسم المحليات إلى مجموعة من الاعتبارات التي يجب الأخذ بها عند التسجيل قد يكون أهمها مراعاة سوق العمل وقدرة الطالب وإمكانياته وعدم الوقوف عند الميول الشخصية وحسب، مقدماً مقترحات ونماذج لجامعات عديدة وآلية القبول فيها فضلاً عن دراسات بحثية في هذا المجال، توصّل في ختامها إلى مجموعة من النقاط الرئيسية التي يجب الارتكاز عليها لدى التسجيل تتمثل بمعرفة ميول الطالب والاستعانة بمختصين لمساعدته على اختيار التخصص الجامعي. وهذا ما تفتقده جامعاتنا حيث يرى الزميل قاسم أن وزارة التعليم العالي أو اتحاد الطلبة “المقصرين” يمكنهما أن يؤسسا لمواقع أو مراكز  تلبي هذا عبر موسوعة متكاملة تشرح التخصصات الجامعية بالتفصيل، يليها التعرف إلى مدى احتياج سوق العمل لكل تخصص.

ورأت المداخلات أن الإشكالية تتمثل بالجنوح نحو اختصاصات مهنية يتدخل الأهل فيها بشكل مباشر ما أثر على آلية التوجه نحو المستقبل لدى الموارد البشرية، فضلاً عما وصفه بعضهم ب”لوثة” الاختصاصات المهنية عالية العلامات، فلأي حد تبدو هذه اللوثة من صناعة التعليم العالي والتربية، فالاختصاصات المهنية مرغوبة جداً في التعليم العالي لكنها مرفوضة في التعليم الأساسي.

غير أن معاون وزير التعليم العالي د.رياض طيفور أكد أن رغبات الطلاب وحدها تحدد معدلات القبول، لافتاً إلى أن التعليم العالي ليس لها شريك حقيقي للتعاون في هذا المجال رغم الحاجة الكبيرة له، محملاً المسؤولية لجهات مختلفة في مقدمتها وزارة التربية. وهذا ما وافقه الرأي به الحضور الذي تساءل عن دور وزارة التربية في هذا المجال، والمنهج التربوي التلقيني، منوهاً من جانب آخر إلى ثقافة العمل في مجتمعاتنا والنظرة إلى الطبيب والمهندس على أنه درجة أولى الأمر الذي يسبب الإحباط للطالب وتزويد سوق العمل بكفاءات لا تحتاج إليها.

وطرحت النقاشات عدداً من التساؤلات فيما إذا كان يتم لحظ مهارات الطالب لتحديد ما سيختار ومدى قابلية سوق العمل لاستيعاب أعداد الطلاب كلها، حيث أشار طيفور إلى حلقة مفقودة متمثلة بغياب خارطة تحدد احتياجات سوق العمل وغياب البيانات رغم مطالبة التعليم العالي لها، وهنا يلفت د.طيفور إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قدمت دراسة “متواضعة” جداً ولا تلبي المتطلبات بسبب صعوبة إجراء مسح إحصائي دقيق نظراً لخروج الكثير من المؤسسات عن الخدمة.

وتساءل بعض المداخلين عن طرح قدم سابقاً لربط الجامعة بالمجتمع شهد إقبال المنظمات الطلابية وتبناه مكتب التعليم العالي، إلا أن هذا الشعار فشل ولا تتحمل مؤسسة واحدة مسؤولية هذا الفشل بل هو مسؤولية حكومية، مؤكدين على جودة المنتج التعليمي والمعرفي، إلا أن الإشكال في غياب صدى الحياة الأكاديمية عن المجتمع، فالأبحاث المقدمة لا يستفيد منها المجتمع ولا الدولة ما سبب شعوراً بالإحباط من مخرجات التعليم ودورها في التنمية البشرية المنشودة. الزميل علي قاسم أكد أن المشكلة بإقصاء المؤسسة التعليمية عن المجتمع والحكومة، في حين تقدر وزارة التعليم على ترميم الثغرة عبر مركز مشورة وتقديم مساعدة توجيهية للطالب وإعادة فحوص واختبارات القبول الجامعي لأغلب التخصصات. وهذا ما عقب عليه معاون وزير التعليم العالي عندما لفت إلى وجود مركز مشورة في جامعة دمشق (عيادات العمل) إلا أن المجتمع لم يعتد الفكرة ولم يتواصل معه بالشكل المطلوب، أما بالنسبة للاختبارات فبيّن طيفور أن تجربة السنة التحضيرية سجلت تقدماً كبيراً في الاختيار الصحيح للطلاب وفق قدراتهم، كاشفاً عن دراسات لإجراءات مستقبلية بخصوص الاختبار، لاسيما أن الثانوية العامة لم تعد معياراً بعد أن أصبحت دورتين، كذلك أوضح طيفور أنه تم إصدار قرار بسنة تحضيرية للكليات الهندسية وبعد التوصل للخطة التدريسية طرح الموضوع على الكليات لكنها رفضت وتم التريث بدراسته.

في هذه الأثناء تطرقت بعض المداخلات إلى ضرورة ربط التعليم المهني بالجامعات وبسوق العمل الذي يشهد سوء توزيع للكفاءات وليس نقصاً بالعمالة، وفي هذا السياق بيّن د. طيفور أن طلاب التعليم المهني لهم توصيف خاص في سوق العمل وأي خلل بها يسبب خللاً في سوق العمل، كاشفاً عن الموافقة مؤخراً لتوظيف نسبة 10% من خريجي المعاهد بشكل مباشر بهدف التحفيز على التعليم التقني.

وفي إجابته عن استفسارات حول منح الجامعات الخاصة أشار طيفور إلى اتخاذ عدة إجراءات لمنع طلاب السنة التحضيرية بالتسجيل في منح الجامعات الخاصة، كان آخرها السماح للطالب بالتقدم للجامعات الخاصة ومنحه فترة أسبوع للتسجيل أو الانسحاب، إضافة إلى منع أي طالب حصل على قبول في الجامعة الخاصة من التسجيل في جامعة حكومية الأمر الذي خفف الكثير من الأعباء بحسب طيفور، غير أنه في المرحلة القادمة سيتم الإعلان عن مفاضلة الجامعات الخاصة قبل مفاضلة القبول في الجامعات الحكومية.

وفي إشارة منه إلى تصنيف الجامعات السورية الأخير أوضح معاون وزير التعليم العالي أن المعيار كان قائماً على الموقع الإلكتروني للجامعة على الانترنت وهو لم يعطَ اهتماماً في سورية والشبكة غير مفعلة، ما سبب تدني المستوى إلا أنه وعد بترتيب أفضل في التصنيف المقبل بعد القيام بعدة خطوات في هذا المجال.