اقتصادصحيفة البعث

تبعية المصارف إلى وزارة المالية زاد من تشابك النظام التمويلي رجحان كفة القروض الاستهلاكية يضع السلطة النقدية على محك الاستفادة من دروس الماضي

 

لا شك أن قيادة دفة القطاع النقدي والمصرفي تتطلب إمكانيات خاصة لما يوكل إليه هذا الأمر، نظراً لما يضطلع به هذا القطاع من دور رئيس في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال أداة السياسة النقدية، وتمويل الاستثمار والتشغيل في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وما يعنيه ذلك من تأمين فرص عمل جديدة وامتصاص البطالة التي تمثل عبئاً ثقيلاً على النمو الاقتصادي وخاصة بعد الدمار الذي حل بالاقتصاد الوطني بموارده البشرية والمادية والنقدية خلال سنوات الأزمة. ولا شك أيضاً أن الحاجة الملحة لإعادة بناء وتنمية الاقتصاد السوري تتطلب العمل على تطوير القطاع النقدي والمصرفي ودعم البحوث التطبيقية لتطوير هذا القطاع وتعميق دعمه لعملية التنمية بهدف الوصول إلى إطار اقتصادي معرفي معاصر. ما يعني بالنتيجة أن أمام الإدارة الجديدة للمصرف المركزي –المعوّل عليها – تحدياً ليس بالسهل أبداً.

تشابك
ولعل تجاوز هذا التحدي يحتاج إلى جملة من العوامل المساعدة في ذلك، ربما يمكن استخلاصها مما يعانيه هذا القطاع من مشاكل أوردها تقرير أعدته لجنة القطاع المالي لدى الهيئة العليا للبحث العلمي، يتصدرها أن مصرف سورية المركزي ما يزال لا يتمتع بالاستقلالية المطلوبة لعمله، كما أن النظام المالي والتمويلي ازداد تعقيداً وتشابكاً بتبعية المصارف العامة لوزارة المالية وهذا يؤدي إلى الازدواجية في القطاع المصرفي، إضافة إلى عدم تناسق وتكامل السياسات النقدية والمالية والتنموية بالشكل المطلوب، كما أنه وعلى الرغم من نمو المنتجات الائتمانية خاصة في فترة ما قبل الأزمة إلا أنه لم يكن توجه الائتمان نحو القطاعات التنموية وكان أغلبها يتجه نحو التجارة والقروض الفردية الاستهلاكية.

استخلاص
ولعل ما يمكن استخلاصه من هذا التقرير هو إعطاء الاستقلالية المطلوبة لمصرف سورية المركزي بالدرجة الأولى، الذي لم يؤدِّ الهدف المطلوب في تشكيل مناخ مالي وتمويلي فعال ومتناسق لخدمة التنمية رغم كل الإجراءات والإصلاحات خلال السنوات التي سبقت الأزمة في مجال سعر الصرف، وأهمها توحيد سعر صرف الليرة السورية، في مطلع عام 2007، وفك ارتباط الليرة السورية بالدولار الأمريكي مقابل ربطها بسلة عملات تماثل في أوزانها “وحدة حقوق السحب الخاصة” SDR ، في عام 2007، وتفعيل مراكز القطع الأجنبي لدى المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بهدف حماية المصارف من مخاطر تقلبات أسعار الصرف، وإعادة دورة القطع إلى وضعها الصحيح من خلال دخول المصرف المركزي كلاعب أساسي في السوق النقدية وتدخله في بيع وشراء القطع الأجنبي من المصارف في عام 2006، والترخيص لمزاولة مهنة الصرافة، واعتماد تطبيق مراكز القطع الأجنبي، وتنويع مكونات الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية بما يتناسب ومكونات وحدة حقوق السحب الخاصة على اعتبارها السلة المرجعية لليرة السورية، متزامناً مع اعتماد عملة اليورو بدلاً من الدولار الأمريكي في جميع تعاملات القطاع العام والمشترك.
كما قام المركزي ومنذ بداية الأزمة بالتدخل في سوق القطع الأجنبي عن طريق مؤسسات الصرافة العاملة والمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، وذلك لتلبية الاحتياجات التجارية وغير التجارية، ومع استمرار الأزمة وازدياد المضاربات أصبح تدخل مصرف سورية المركزي مقتصراً على تمويل مستوردات القطاع العام ومستوردات القطاع الخاص من المواد الطبية البشرية إضافةً إلى المواد الأساسية لكافة القطاعات الاقتصادية، ولم يكتفِ بذلك فقط بل ساهم أيضاً من خلال تدخله الإيجابي في سوق القطع الأجنبي بتلبية احتياجات المواطنين من السلع الضرورية بما يسهم في استمرار توفر هذه المواد في السوق.

مقترحات
بعد هذا الاستعراض السريع خلص التقرير إلى جملة من المقترحات لعل أبرزها دراسة أولويات المنتجات المصرفية والمالية المطلوبة في مرحلة إعادة الإعمار وما بعدها، وتحسين أساليب إشراف المصرف المركزي على المصارف الخاصة والعامة، بالتوازي مع إعادة هيكلة المصارف الحكومية كمصارف شاملة تتعامل بكافة المنتجات المصرفية، ودراسة إمكانية تحويل المصارف الحكومية إلى شركات مساهمة تمتلكها الدولة وتدرج أسهمها في السوق المالية.
بالتأكيد لا نشك بمقدرات الحاكم الجديد الدكتور حازم قرفول، لا بل نعترف بما يقره زملاؤه بخبرته المشهود لها، وما هذا التشخيص إلا للتأكيد على أن أحقية المركزي بأخذ دوره المنوط به، نظراً لحساسية ما يضطلع به من رسم للسياستين النقدية والمصرفية.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com