ثقافةصحيفة البعث

أسطورة حصار الدراما

 

بعض القائمين على شركات الإنتاج التلفزيوني المحلية، إن لم نقل معظمهم، تفاعلوا جيدا مع قيام العديد من المحطات العربية، بتفضيل المسلسلات المصرية والخليجية على السورية، ولكن تفاعلهم لم يكن كما سوف تظنون للأسف، فقد كان مفترضا بهم أن يبحثوا عن قنوات ترويج، كأن تشترك عدة شركات في محطة تلفزيونية ما، أو كأن يقوم بعضهم، ممن لديهم تمثيل في مجلس الشعب، السلطة التشريعية في البلاد، بالتوجيه نحو زيادة الإنفاق الحكومي على دعم تلك الأعمال، بدعمها المالي مباشرة، أو بزيادة أثمان المسلسلات التي تدفعها قناة سورية دراما التابعة لوزارة الإعلام، أي للسلطة التنفيذية.
تفاعل القائمين على شركات الإنتاج أخذ منحى مختلفا، فقد أكثروا من المؤتمرات التي تناقش المسألة، وتنادوا لبحث السبل دون ان يعثروا عليها، وفي كل موسم يتهيؤون للحصار بمزيد من التصريحات الرنانة، والترويج اكثر لهذا الحصار؛ الآن بعد سنوات عديدة اتضح أنهم سعداء بهذا الحصار، لأنه كما يبدو يُشكل غطاء لأعمالهم الدرامية الرديئة، وفق منطق: “أنا لا ابيع المسلسل لأنهم يحاصرونني”.
ولكن ما علاقة ذلك الحصار بالنتاج الرديء؟ السؤال يُطرح أولا على المؤسسات العامة، التي قامت بتضخيم أسطورة الحصار كمبرر لخسارتها المادية الفادحة، فإذا كان الحصار على “البيع”، فما دخل ذلك بالجودة؟ المسألتان منفصلتان تماما.
مسلسلات مثل “زوال-بلا غمد- نبتدي منين الحكاية” كإنتاج للقطاع العام، ومثل “أحمر-قناديل العشاق-وحدن-الواق واق” كإنتاج للقطاع الخاص، هذه الأعمال –بالله عليكم-من الذي حاصرها؟ حسنا لنفترض أنها فعلا حوصرت، ما دخل الحصار بالمستوى الضعيف الذي ظهرت عليه! هل تم تصويرها من غير ميزانيات؟ من غير نصوص؟ من غير مخرجين ومواقع تصوير؟ كانت تحظى بكل ما يكفي لتكون جيدة!؛ الحصار على التسويق وهذا مفهوم، ولكن هل هو على الجودة أيضا؟.
ذلك كله في الوقت الذي كان، من المفروض، أن تكون الجودة هي أول ردّ وأكبر تحد للحصار، فلنفترض التالي: مسلسل جيد على مستوى النص والإخراج والأداء، لم يلق فرصة للبيع من قبل فضائيات عربية بسبب الحصار، فاضطرت الشركة لعرضه على قناة من قنواتنا المحلية التي لا تدفع كثيرا، وعند عرضه قام بخطف الأضواء، وجذب جمهور الفضائيات التي رفضت الشراء، ألن تندم تلك المحطات على خسارة جمهورها؟، وعندها ستكون تلك الفضائيات أمام احتمالين: إما الاستمرار بالحصار وخسارة جمهورها؟ أو الرضوخ وشراء العمل السوري الجيد، وذلك خوفا على جمهورها، لأنه يمسك يـ” الريموت كنترول” وليس لديه ولاء لمحطة معينة، بل ولائه للعمل الجيد، حتى وإن كان يعرض على المحطة” الهنود الزرق”.
تمّام علي بركات