ثقافةصحيفة البعث

من نفق للموت إلى نفق للإبداع والحياة

 

في عام 1937 قصفت الطائرات الألمانية مدينة بيكاسو الإسبانية جيرنيكا، إلا أنه استطاع تحويل مدينته المليئة بالخراب والدمار برسم لوحة سماها “غيرنيكا” وأصبحت من لوحاته الشهيرة، وزارت كل معارض ومتاحف العالم وبقيت أيقونة ودعوة للسلام، واُعتبر حينذاك أن بيكاسو استطاع أن يخلق من الموت حياة، ومن الحرب حبا. وفريق “آرام للفنون التشكيلية” لم يكونوا أقل من بيكاسو فقد تشابهت الأفكار ونزلوا إلى نفق الموت والدمار وزرعوا فيه وردة للمستقبل.
ولأن الحياة على قيدهم.. تنفس الفجر خطاهم، وكان لقاء “شآم وقلم” مع فريق “آرام” الذي حوّل نفق جوبر من نفق للموت إلى نفق للإبداع والحياة.

نفق مضيء
بالفن والثقافة ترتقي الشعوب، وفي سورية إرث كبير وبالقوة والإصرار نستطيع عكسه بطريقة مميزة ليظهر عملا مميزا ويشاهده العالم، ونثبت لهم أننا نملك القدرة على العيش بطريقة فنية متقنة، وبما أن الفن يعيد بناء المجتمعات قال فنان النحت أنس قطرميز عن مشاركته في هذه التجربة:
تحويل نفق جوبر من الموت إلى الإبداع والحياة كانت منذ البداية فكرة الشاب العسكري مهند معلا خدم في منطقة التماس مع الإرهابيين أثناء المعارك في جوبر، وعمل في حفر الأنفاق مع الجيش العربي السوري والتي سُميت بأنفاق اعتراضية ضد أنفاق الإرهابيين، وفي فترة استراحته قام بتجربة إضافة لمسة فنية ونحتية في النفق، وبالفعل لاقت إعجابا وإقبالا كبيرين رغم أنها تجربة فردية بأحجام صغيرة.
انضم بعدها مهند إلى مركز أحمد وليد عزت لتطوير موهبته الفنية في مجال النحت، وبعد فترة زمنية اقترح تطوير المشروع ليصبح عملا جماعيا ويتم تنفيذه في أحد الأنفاق الموجودة بمنطقة جوبر بعد تخريبها، وهذه كانت البداية.
وصل عدد الفريق إلى 18 شخصا وبحدود 25 يوما تحوّل النفق المظلم إلى حالة فنية يُحكى بها، وعن اللوحات قال أنس: قدمنا لوحات عريضة ممتدة على طول 20 مترا، وفي بداية كل جدار هناك لوحة لانتصار جيشنا أو عملية تصد لقذيفة من قبل عسكري، وآخر يضيء الطريق الجديد بعد الانتصار، ولوحة عن حياة مجتمعنا، وطفلة تزرع، والأم السورية سواء كانت أم الشهيد أو زوجته، وهناك شيء من التراث مثل الأبجدية ونصب الجندي المجهول بالإضافة إلى لوحات متعددة تعطي غنى ليشعر الآخرين بتنوع دون تكرار.
في البداية وعند دخولنا إلى النفق وخروجنا منه كان هناك شعور غريب ولكن استطعنا بالفن التخلص منه ليتحول من مكان مخيف ومرعب إلى نفق حب وفرح يعمه الهدوء والطمأنينة.

سبب للحياة
وتحدثت طالبة الفنون الجميلة سالي الحموي عن مشاركتها في تجربة النفق فقالت: أثناء تواجدنا في مركز أحمد وليد عزت كان مهند معلا يتردد عل المعهد، وأحببنا المشاركة بمشروعه فهي بمثابة مغامرة واعتبرنا أن الإرهابيين قاموا بحفر النفق ليكون سببا للحياة في دمشق، وأعمالنا كانت مشتركة سواء بالأفكار والخطة فقدمنا تجسيدا لتضحيات جيشنا وعودة الحياة لسورية والآثار، وأنا كفتاة في مرحلة الشباب أعتبر نفسي أنني قدمت مساعدة لبلدي بالفن الذي أعشقه.
في الواقع، يعتبر الفن ذاتيا يعود إلى شخص بعينه، أما هذه التجربة فكانت بشكل جماعي، وظهر إبداع كل شخص من خلال مجموعة لوحات استطعنا تقديمها في هذا النفق المظلم والمليء بالخوف، وأثبتنا أننا قادرون على إنارة أي بقعة ظلام وإشعال الضوء فيها.

كيمياء الفن
والنحت إحدى هوايات آمنة النعسان رغم أنها خريجة قسم الكيمياء إلا أنها بقيت وراء حلمها وأحبت تنمية رغبتها حيث تحدثت عن مشاركتها:
يجب على الإنسان أن ينحت ليشعر بقيمة الكائنات الموجودة وهذه كانت البداية، وفي قلب الحرب كان هناك شخص يعمل بالفن وينحت داخل الأنفاق وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد هو عمل مفرح بمعنى أنه في الحرب استطاع إيجاد الوقت ليرسم وينشر الفن، وقد أعجبت بالفكرة كثيراً وأحببت المشاركة، وطالما يوجد إبداع ورغبة فيمكن القيام بأي عمل وإنتاج شيء جميل، وعندما اقترح الشاب مهند معلا توسيع المشروع ليشمل مساحة أكبر وجدتها فرصة جميلة للتعرف على هذا النفق المظلم وتحويله إلى نفق يضج بالحياة والفن، ولأعبر عن نفسي أيضاً عبر منحوتاتي.
المشروع كان له أصداء إيجابية، وأعطت الوجه الجميل والحضاري للشعب السوري والجيش، وعند رؤية النفق عبر وسائل الإعلام استطعنا إيصال فكرة عن الأكاذيب المتداولة حول البلد، وكان بمثابة إثبات أن هناك أناسا في الجيش لديهم إحساس مرهف وفي قلب الأزمة والحرب خلقوا الإبداع، واستطعنا نقل الإنسان من قمة الخوف والحرب إلى حالة الفرح والانتصار والحياة السعيدة الآمنة الطبيعية.

طرب وشعر
وقدم المطرب الشاب عدي شحادة عدة أغان للشام، وشارك الشاب منهل إسماعيل -وهو أيضاً عسكري في الجيش العربي السوري- بقصيدتين من تأليفه نقتطف منها:
البنت السورية بالحبق متعطرا شمس التعالي لخدودا محمرا
ما شفت متلا بالخلايق كلها غيدا جميلة كالقمر شو مغررا
ما شفت متلا بالخلايق كلها شفافا دنان الحب وجرار الغوى
وخدا رواية وبشامتها محبرا بسهول كتفا مرتع ريام الفلا
وزان بأدبها وعطف الله كبرا البنت السورية لكل سوري مفخرا
جمان بركات