أخبارصحيفة البعث

حلفاء الأمس.. أعداء اليوم

 

تشهد العلاقات بين واشنطن وأنقرة، العضوين في الناتو، أخطر أزمة دبلوماسية منذ غزو أنقرة للجزء الشمالي من قبرص عام 1974. العديد من القضايا الخلافية آلت إلى التوتر بين الجانبين دون التشكيك في تحالفهما الاستراتيجي في المنطقة، وآخر  التحرّكات العدوانية للولايات المتحدة وتصلب النظام التركي السلطوي منذ “الانقلاب الفاشل” عام 2016، جعل هذا التحالف يتعثر، ويتمحور الخلاف حول شخصيتين: الأولى القس الأمريكي “أندرو برونسون “، الذي تمّ اعتقاله مع زوجته نورين في تشرين الأول 2016 في تركيا بتهمة التجسس والقيام بأنشطة إرهابية، إضافة إلى تهمة  ضلوعه في الانقلاب العسكري في 15 تموز 2016، والثانية فتح الله غول، الذي لجأ إلى أمريكا ، وقد اشترطت السلطات التركية تسليمه مقابل الإفراج عن القس الأمريكي، الأمر الذي أدى في النهاية إلى استشاطة غضب الولايات المتحدة، ودفع إدارة ترامب إلى فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، وطلب الاستيلاء على ممتلكاتهما والأصول المحتملة لهما في البنوك الأمريكية.
من جانبه رد أردوغان بتجميد ممتلكات وزيري العدل والداخلية الأمريكيين في تركيا. العقوبات كلها رمزية للغاية، حيث يبدو أن الوزراء الأتراك لا يملكون أي ممتلكات في الولايات المتحدة، وكذلك الأمر بالنسبة للوزراء الأمريكيين.  هذا هو المستوى الأول فقط من العقوبات الدبلوماسية، لكن يبدو أن القضايا الأخرى المتعلقة بالمسؤوليات الحقيقية لهذه المحاولة الرامية إلى زعزعة الاستقرار تقع في صميم التوترات، وفي  كل الأحوال، تمكنت في النهاية من خلق أزمة اقتصادية خانقة في تركيا.
عسكرياً، تمتلك الولايات المتحدة عدة قواعد عسكرية في تركيا، بما في ذلك قاعدة انجرليك الجوية العملاقة التي تضم قنابل ذرية من طراز B-6 من بين 200 سلاح نووي قام الناتو بنشرها في أوروبا. هذه القاعدة توفّر الجزء الأكبر من المساعدة اللوجستية لعمليات حلف الناتو في أفغانستان، وقد استخدمت على نطاق واسع منذ عام 2015 لعمليات التحالف الدولي في العراق وسورية، ومع ذلك ألقت السلطات التركية القبض على عدة جنود من قاعدة انجرليك، بما في ذلك قائد القاعدة، الجنرال بكير إركان فان، لتورطهم في محاولة الانقلاب العسكري في 15  تموز 2016، ووفقاً لوكالة فرانس برس قامت مجموعة من المحامين المقربين من الحكومة التركية بتقديم طلب إلى محكمة أضنة، وهي أقرب مدينة إلى قاعدة انجرليك،  يقضي بالقبض على ضباط أمريكيين متهمين بالمشاركة في محاولة انقلاب  تموز 2016 ضد نظام أردوغان، من بينهم  الجنرال جوزيف فولت، قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وفي الشأن الاقتصادي، منعت الولايات المتحدة تجارة النفط مع إيران في عام 2011، وكانت تركيا ، إحدى أكبر مورديها، البلد الأكثر تأثراً بهذا القرار، وهنا برز رجل الأعمال التركي- الإيراني “رضا ذراب” باعتباره الشخصية الرئيسية في هذا المخطط للالتفاف على العقوبات التجارية ضد إيران. اعتقل في عام 2016 في ميامي،  كما لقي محمد هاكان أتيلا، نائب المدير السابق لأحد أكبر البنوك التركية المملوكة للدولة، هالك بنك، الذي توسط بين تركيا وإيران، نفس المصير، حيث اتُهم  بانتهاك الحظر الأمريكي ضد إيران، وتمّ اعتقاله بعد عام في آذار عام 2017 في الولايات المتحدة، وحكم عليه في 16  أيار بالسجن لمدة عامين ونصف من قبل محكمة في مانهاتن.
وحالياً يواجه “هالك بنك” المملوك للدولة بنسبة 51.1 ٪ ، غرامة مالية  كبيرة فرضت عليه  من قبل الولايات المتحدة، ما قد يقوّض القطاع المصرفي التركي ككل. من أجل تجنّب مثل هذه العقوبات، عرض أردوغان تسليم القس أندرو برونسون مقابل وقف الإجراءات ضد “هالك بنك” ولكن دون جدوى، وما هو واضح أن قضية “هالك بنك” هي التي صبت الزيت على نار التوتر الدبلوماسي بين البلدين، وربما تجبر أردوغان على تقديم المزيد من التنازلات لإدارة ترامب مقابل وقف التعدي عليه.
هيفاء علي