ثقافةصحيفة البعث

أضغاث أحلام

 

استيقظت في الصباح بجفون مثقلة، أحلام كثيرة أثقلت رأسي، “هل أكلت كثيراً عند المساء؟” تساءلت وأنا أغسل وجهي.

حينما استيقظت أمي رويت لها حلمي، وما أسمته أضغاث أحلام حينما سمعته.  إذاً.. لا تفسير لذهابي لمنطقة أخرى، ولا تفسير للركض وراء طفل صغير، ولا تفسير أيضا لتأخري عن موعدي وتأجيل موعد آخر بسبب ذلك.. أضغاث أحلام.

يجب أن أكون متفائلة وسعيدة، يجب أن أردّد أن يومي سيكون جميلا وعلى ما يرام، كي أجذب الطاقة الإيجابية “هذا ما سمعته من خبراء الطاقة” وما سأطبقه اليوم.

بعد انتظار لأكثر من ربع ساعة جاء السيرفيس “المنقذ” وقبل أن أجلس في المقعد بادرني السائق: “بدي مر ع الكازية عبي بنزين، مشان إذا كنتي مستعجلة”.

قلت له: لا بأس وأنا أفكر: لن يأخذ معه الأمر أكثر من عشر دقائق زيادة عن الوقت الطبيعي، لو بقيت أنتظر سيرفيساً آخر، لاستغرق الأمر أكثر من ذلك.

نظرت من حولي، كان السيرفيس ممتلئا: “كلهم فكروا مثلي”، قلت لنفسي.

وضعت السماعات في أذني، وأطلقت العنان لفيروز، تغني “يا طير.. يا طاير على طراف الدني..”.

توقف السيرفيس عند محطة البنزين، الساعة الآن التاسعة والربع، موعدي في العاشرة تماما “الحمد لله معي ثلاثة أرباع الساعة، لن أتأخر إذاً”.

أعدت السماعات إلى أذني وتابعت فيروز “أنا على بابي الندي والصباح.. وبعيونك ربيعي نوّر وحلي”.

شعرت أن شيئا غير عادي يجري، سألت التي بجانبي: ماذا حدث؟ فأخبرتني أن السائق سيضطر للذهاب لمحطة أخرى، فقد نفذ البنزين هنا.

ابتسمت وقلت لها: لابد من التأخير.. فابتسمت وهزتّ رأسها دون أن تقول كلمة.

توقف السيرفيس عند المحطة الأخرى، “الساعة الآن التاسعة وخمس وعشرون دقيقة، لقد هدر عشر دقائق زائدة”.

قطع تفكيري عربة لبيع “المعروك” تمر من جانب السيرفيس، بالقرب من شباكي، تساءلت في نفسي أين رأيتها، وفجأة تذكرت أنها ذات العربة، وذات المنطقة التي رأيت في حلمي أنني ذهبت إليها، السوبر ماركت الذي أمامنا، ذاته، والشجرة بقربه، هززت رأسي كي أبعد الفكرة عنه.

وضعت السماعات في أذني وكأنني أطلب من فيروز الغناء، “وتذكرتك يا عليا… وتذكرت عيونك”.

انطلق السيرفيس بعد ذلك بعشر دقائق، وعشر دقائق أخرى استغرقت حتى وصلنا إلى جسر الرئيس، “العاشرة إلا خمس دقائق، سأتأخر لا محالة”.

“لابدّ من التأخير” قلتها لنفسي مرة أخرى وأنا أوقف سيارة أجرة. ولكن، ليكتمل المشهد، فقد وصلت إلى موعدي في العاشرة والثلث، “متأخرة”، حينما أخبرتني الموظفة أن موجه اللغة العربية اضطر للذهاب في جولة للمدارس.

نزلت من المديرية منزعجة من تأجيل توقيع ورقة مباشرتي كمدرّسة إلى الأسبوع القادم، “لدي وقت إضافي”، تمشيت قليلاً، وإذا بطفل من الذين أجبرتهم الحياة أولاً، وأهلهم ثانياً على العمل، يقترب مني ويطلب أن أشتري علكة، “شكرا لا أريد”، قلت له ومضيت، لكنه تابع المسير بجانبي يستعطفني كي أشتري.

رق قلبي له، وأعطيته ورقة من فئة المئتي ليرة، وأخذت علكة، وأرجع لي ورقة من فئة المئة ليرة، ومضى في طريقه.

كنت أعيد النقود إلى حقيبتي حينما اكتشفت أن داخل المئة ليرة، خمسمئة ليرة، لم أشعر بنفسي في تلك اللحظة إلا أني ركضت وراء الطفل كي أعيدها له “إنه يستعطف الجميع كي يربح القليل”.

شكرني الطفل ووعدني أن ينتبه في المرات القادمة، وتابعت المشي.

فجأة وكالمجانين كنت أضحك، لقد ركضت وراء طفل أيضاً، هل هذه محض مصادفة حقاً، لم يبق أمامي إلا موعد أخير، سيثبت ذلك، وقبل حتّى أن أتوجه إلى الموعد، تذكرت أنني لا أستطيع الذهاب للمدرسة دون أن تكون ورقة مباشرة العمل موقعة من موجه الاختصاص.. إذاً تأجل الموعد الثاني بسبب تأجيل الأول.

توجهت إلى المنزل، وأنا أفكر في كل ما جرى، هل تتحقق أحلامنا حقاً إلى هذه الدرجة؟ هل يمكن أن نعيش يوما كاملاً من الأحلام؟.

وصلت إلى المنزل، كانت أمي ترتب البيت، وقد تفاجأت من عودتي المبكرة،  فقالت: ماذا جرى معك؟ عدتِ باكراً، التفت إليها وقلت: لا شيء.. أضغاث أحلام فقط.. ومضيت ضاحكة بينما وقفت تنظر إلي بدهشة، وقد تكون قالت في نفسها أن ابنتها جنّت.

مادلين جليس