دراساتصحيفة البعث

الاتحاد الأوروبي يتحدى أمريكا

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع ريزو انترناسيونال 12/10/2018

سوف يسجّل التاريخ ذات يوم هذه اللحظة التاريخية التي حصل فيها الاتحاد الأوروبي على درجة الدكتوراه في السياسة الخارجية عندما تحدّى واشنطن وتحرر، ولو لمرة واحدة، من التبعية لأمريكا.

في الأسبوع الماضي، أعلنت رئيسة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، من أروقة الأمم المتحدة عن التوصل لوضع خطة مشتركة لتجاوز عقوبات إدارة ترامب ضد إيران، بعد الانسحاب أحادي الجانب للولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.

وشدّدت  موغيريني على أنه من الناحية الفعلية، ستنشئ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كياناً قانونياً خاصاً لمعاملاتها المالية الشرعية مع إيران، الأمر الذي سيسمح للشركات الأوروبية بمواصلة التداول مع هذا البلد، وفقاً لقانون الاتحاد الأوروبي، والذي يمكن تمديده ليشمل شركاء آخرين في العالم.

وقد تطبّق هذه السياسة التي تهدف -بحسب ما قالت موغيريني- للحفاظ على التجارة مع طهران خلال فترة العقوبات الأمريكية قبل دخول المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية في أوائل تشرين الثاني.

هذه المبادرة وحدها كافية لإثبات أن بروكسل تحاول وضع نفسها كدولة جيوسياسية من خلال تحدي الولايات المتحدة علانية وبإبطال تأثير البيت الأبيض، ووكالة المخابرات المركزية اللذين أطلقا حملة تشويه و”شيطنة” إيران.

وهنا لا يكفي التذكير بأن الاتفاق النووي التاريخي هو ثمرة مفاوضات حثيثة وصعبة بين إيران ومجموعة /5/ زائد واحد بعد عدة أعوام. عدا الولايات المتحدة، أبدت الدول الأخرى حرصها الشديد للحفاظ على الاتفاق ودعم إيران في مجال الطاقة النووية المدنية.

لقد استغرق الأمر بضعة أشهر، لكن دول الاتحاد الأوروبي الثلاث انتهت إلى تحقيق ما عرفته موسكو وبكين بالفعل أي عمل تجاري مع إيران، والذي هو في مصلحة جميع الأطراف، يجب أن يتجاوز الدولار الأمريكي.

حالياً، ستضع دول الاتحاد الأوروبي الثلاث آلية مالية متعددة الجنسيات تدعمها الدول المعنية لمساعدة الشركات الأوروبية على التعامل التجاري مع إيران باليورو، وهذا بعيد المنال عن السلطات المالية الأمريكية، فيما ستتعامل روسيا والصين تجارياً مع إيران بالروبل واليوان.

يعلم مفاوضو الطاقة أن موسكو وبكين، العضوين في “بريكس”، ستواصلان القيام بأعمالهما في مجال النفط والغاز مع طهران. أما الهند، العضو في “بريكس” فقد استسلمت لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية.

وستسمح هذه الاتفاقية لإيران بالحفاظ على 40٪ من صادراتها النفطية المتجهة إلى أسواق الاتحاد الأوروبي على الأقل، بل ستسمح لعمالقة الطاقة الأوروبيين بالاستثمار في البنية التحتية الإيرانية، كما أنها تفتح مخرجاً طارئاً للبلدان المستهلكة للطاقة مثل الهند. زد على ذلك، ستفتتح طريقة أخرى للدمج بين روسيا والصين، ما سيتيح زيادة الأنشطة عبر الحدود الأوراسية وبسطها لبلدان الجنوب، وذلك بالاستغناء عن الشبكة المالية البلجيكية “سويفت”، التي تتدخل فيها الولايات المتحدة، ووضع آلية أخرى بديلة عنها.

الدولار.. سلاح حاد!

في بروكسل، عهد دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي بسخطهم تجاه إدارة ترامب إلى صحيفة آسيا تايمز، الذي يلخصه أحدهم بالقول: لن نسمح لأنفسنا أن نخاف من التدخل خارج الحدود الإقليمية. كانت الاتفاقية  أول نجاح لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية، لقد عملنا جاهدين للحصول عليه ونحن مصمّمون على عدم المساس بالاتفاقية تحت أي ظرف كان.

مقابل ذلك، تعهّد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي لا يتمتع بشعبية كبيرة في بروكسل، بمواصلة ممارسة أقصى قدر من الضغط على طهران وتهديد الاتحاد الأوروبي إذا تجرأ على تنفيذ الخطة.

وبالنسبة لبروكسل، فإن الحفاظ على الاتفاق النووي أمر مقدس ويرتبط مباشرة بمصداقية مؤسسات بروكسل، التي هي في حالة حصار، لأنه إذا انهارت يمكن أن تترتب كارثة محتملة في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي المزمع إجراؤها في  أيار 2019.

وعند النظر تكشف اللعبة عن تعقيدها لدور إيران المحفّز، والذي سمح أخيراً  للاتحاد الأوروبي بالوقوف في وجه الولايات المتحدة والتحرّر من سطوتها  وربما التقارب مع روسيا والصين.

حقيقة، ما تشهده الساحة الدولية هو ملامح تحالف محتمل عبر أوراسيا، على جبهات متعددة، بين روسيا والصين وإيران، البلدان الرئيسية الثلاثة للاندماج الأوروبي الآسيوي، ودول الاتحاد الأوروبي الثلاث.

إنها ضربة قوية لسيد الشطرنج  الإيراني، والذي يشمل حروب الطاقة، وتوازن القوة في جنوب غرب آسيا، وضربة مدوية لقوة النظام المالي العالمي المطلقة، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، ولوضع الدولار الأمريكي، المدعوم من مشيخات النفط، عملة الاحتياط العالمي.

كل هذه المواضيع كانت موضع بحث في أروقة ودهاليز الاتحاد الأوروبي في بروكسل على مدى سنوات مع المبعوثين والدبلوماسيين الذين يناضلون من أجل الحصول على عملة اليورو في التجارة العالمية (مثل بكين مع اليوان)، لهذا يمكن القول إن هجوماً متضافراً من قِبل التحالف الأوراسي مع الاتحاد الأوروبي سيقود اليورو واليوان والروبل إلى أن تصبح في نهاية المطاف عملات احتياطية ذات مصداقية وتزيح الدولار لتحلّ محله.