الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أول الحب وآخره

سلوى عباس

لم يتطابق حساب حقلها مع حساب بيدر الحياة، فقد وجدت نفسها في خضّّم ظروف مثقلة بالحزن والقلق والخوف من أيام لا تعرف كيف سترتسم معالمها، ولا كيف ستتعامل معها.. وفجأة ظهر في حياتها وكما شعاع ضوء أنار عتمة تلبست روحها، وربما أنه اهتدى إلى مفتاح شخصيتها فكان لاهتمامه بتفاصيل حياتها وقعه الكبير عليها، ولم يخطر في بالها أن تتطور علاقتها به لأكثر من ذلك، فهو زميل تعرفت إليه منذ بداية عملها، لكن ولا مرة فكرت أن هذه الزمالة قد تتطور، ومضت الأيام وهما يلتقيان بشكل يومي، وفي يوم جاء إلى مكتبها وأعطاها ورقة وطلب منها قراءة نصفها الأول حيث كتب: كل ذلك كان يساوي لحظة واحدة من زمننا الأرضي.. لكنه دهر من زمن السموات.. كيف اتسعت هذه اللمسة لكل ما أحسست.. كانت حركة عادية وفي حدود هي أقل من مصافحة، لكنها أيقظت فيّ حساً كنت أظن أنه مضى.. كيف تم ذلك، وكيف استقت سريعاً هذه النبتة اليابسة وتبرعمت في المساء تحت ضوء ينسحب في المغيب.. كان كل شيء يسير سريعاً.. كل ما حولي بدا غير مهيأ لدرء صاعقة مرتقبة.. ألم تلحظ الشمس شيئاً؟ ألم ينمو الصفصاف هكذا على حين غفلة من النهر.. تساءلت، لكن بدا لي: قد أقسو قليلاً أو كثيراً عليها.. بل عليّ أنا أكثر.. قد أقسر روحي على أن تهدأ وأخطو إلى الوراء حتى لو كان في الوراء هاوية.. أرجو أن لا أعود.. أرجو من الأقدار أن لا تجر قدمي إلى وراء، وصارحها بحبه الذي غيّر لون العالم بالنسبة إليه، وأنها هي من تهدهد روحه من أوجاعها، وتنشر في قلبه ودادها والهيام.. وكم أعجبها أن يحبها كما هي بكل ماتحمل من متناقضات، واستمرت حياتهما كعصفوران في ملكوت السماء يخطران.. جناحاهما من زركشات الروح، لايضيرهما كثيرا إن ناء غصن من شجرة الود قليلاً ولامس الأرض، وفي لحظة من ضبابية العمر فاجأها قائلا: لايضيرنك كثيراً أن رسمت لوناً أرضياً في لوحة هي فضاء فردوسك الزاهي.. منسوجة أنت من سماء وأرض.. ما أحببتك يوما كخيال.. ولا لامست يدك على أنها أصابع ممدودة من حلم “رغم أنها تحاكي الحلم”. أشدك دائماً نحو أرضي.. للمعة من عينيك بريق نجمة.. لكنها عيناك أنت، لو اجتمعت كل النجوم لتلمع في عين لغيرك، لما امتد سحرها المضيء خارجها.. أنت منّا نحن البشر.. أنت لست ملاكاً فأنا لا أؤمن بالملائكة، فهي كائنات من ضياء كما قالوا ليس فيها حرارة الوداد.. وليس لها أن تضفي على اللحظة مسحة من حزنها الشفيف.. مالنا وما للملائكة.. أنت التي أودعتها قلبي.. ورهنت روحي بين يديها حتى يحين الأجل.

كل هذا الحب تحول إلى سراب لم يبق منه شيئاً.. وهذان الحبيبان نأى بهما الزمان وكانت السنوات جميعها حلم من زجاج تكسر عند أول منعطف.. يبدو أن الإنسان يقرر أجله في اللحظة التي يريد.. وهذا ما كان.. فهل أصبح الحب كما سلعة نحدد له المواصفات التي تناسبنا، وعندما نضجر منه نرميه في سلال المهملات؟! أم أننا نحن الذين لم نعد نصلح للحب..؟!. سؤال برسم الحياة؟!.