اقتصادصحيفة البعث

لا يشتري بل يساهم في شراء المسكن.. المصرف العقاري يدحض فكرة فقدانه لدوره بتأمين السكن… وأثر رفع القرض إلى 10 ملايين سيكون محدوداً..!

 

 

على الرغم من الصورة المشرقة التي بدأت تظهر ملامحها لمرحلة ما بعد الأزمة، والتي أسفرت عن عدة انفراجات على مختلف الصعد، إلا أن الإشكاليات الناجمة عن الأزمة لازالت تحاصر المواطن وتمنعه من التماس تباشير الفرج على صعيده الشخصي، ولعل غياب المسكن لشريحة واسعة من المواطنين أولى هذه الإشكاليات وأهمها، ولاسيما أن الأزمة ساهمت بارتفاع حصيلة الأضرار في القطاع العقاري، إلى جانب حركة الهجرة الداخلية التي ترافقت معها، ونتج عنها ارتفاع كبير في قيمة الإيجارات وأسعار العقارات داخل الكثير من المناطق والمدن، الأمر الذي شكل تحدياً كبيراً فاق قدرة المواطن الشرائية المتدنية ودخله الشهري، وباتت معضلة تستحق إعادة النظر وتأمين قنوات تمويلية من شأنها اجتراح حلول جذرية لها.

خارج التغطية
لعل التعويل الأكبر يُلقى على عاتق المصرف العقاري كونه المعني -حسب شعاره- بتأمين مسكن لكل مواطن سوري، لتقديم حلول تتناسب مع ظروف وقدرات المواطنين، إلا أن القرض السكني الحالي والبالغ خمسة ملايين ليرة كحد أعلى له، فقد جدواه بفعل التضخم الحاصل وتدني قيمة الرواتب والأجور، فأصبح غير كافٍ لشراء مسكن في ظل ارتفاع أسعار العقارات من جهة، وعدم ملاءمة قسطه الشهري الذي يبلغ 67 ألفاً مع الرواتب والتي لا تتجاوز في أحسن الأحوال 50 ألف ليرة من جهة أخرى، مع الإشارة هنا أيضاً إلى أن القانون ينص في عملية المنح على عدم اقتطاع أكثر من نسبة 40% من الراتب كقسط شهري، وبالتالي فإن ذوي الدخل المحدود من حيث النتيجة خارج إطار الفئة المستفيدة من هذا المنتج.

دحض
معاون مدير المصرف العقاري أكرم درويش حاول دحض فكرة فقدان المصرف لدوره في تأمين المساكن، عبر تأكيده أن المصرف العقاري لا يشتري المسكن بل يساهم في شرائه، مفترضاً وجود رصيد مالي لدى المقترض يتمم به عملية الشراء، إضافة إلى ضرورة وجود مورد إضافي يساهم في رفع العبء الناجم عن القسط الشهري.
ورغم ضآلة عدد المستفيدين من القرض السكني مقارنة مع ارتفاع عدد المحتاجين له -إذ لم يتجاوز العدد الـ500 مستفيد منذ إعلان المصرف عن بدء التمويل في آذار الماضي- إلا أن درويش اعتبره بداية جديدة في ظل الظروف الراهنة، مشيراً إلى أن رفع سقف القرض السكني إلى عشرة ملايين -الذي مازال قيد الدراسة- لن يكون له ذلك الأثر المتوقع لذوي الدخل المحدود وإن طالتهم زيادة رواتب، كون القسط سيفوق الـ130 ألف ليرة، أي ستبقى الفجوة كبيرة ولا يمكن تصحيحها سواء للقرض الحالي أو للمنتظر.

خيال
ارتكزت العديد من آراء خبراء الاقتصاد على أنه لا يمكن تفعيل دور المصرف بمعزل عن زيادة الرواتب والأجور كخطوة أولى، إلى جانب إيجاد نمطيات تفكير مختلفة تعطي حلولاً جذرية، وذلك عبر تشكيل مجلس شيوخ من أصحاب الخبرات بحسب عامر شهدا، الذي اعتبر أن ما جرى الحديث عنه من أيام بما يخص تبني سياسة نقدية تدفع باتجاه منح القروض هو ضرب من الخيال وكلام غير دقيق، ولاسيما أن الإشكاليات لازالت قائمة كملف القروض المتعثرة وضعف الرواتب، وارتفاع الأسعار، وبالتالي فإن المعالجة الجذرية لها ينتج عنها بالضرورة توجه للاستفادة من المصارف وزيادة الاستهلاك، ودوران عجلة الإنتاج الاقتصادي.

مفارقة
الدكتور علي كنعان بين أن الإشكالية تقع على التضخم الذي حصل خلال سنوات الأزمة ووصل إلى 1000% مقارنة بعام 2010، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار العقارات جاء نتيجة حتمية لارتفاع أسعار مواد البناء وبشكل خاص الحديد، وبالتالي ارتفاع تكلفة المسكن، في حين بقي المصرف العقاري يقدم نفس القروض دون إدخال تعديلات تتناسب مع التغيرات الحاصلة، الأمر الذي حرم ذوي الدخل المحدود من الاستفادة من خدماته.

إعالة
ولفت كنعان إلى وجود مقترحات قد تساهم في تقديم حلول جزئية لهذه الإشكالية، كتمديد فترة القرض الزمنية لتصبح 25 سنة على سبيل المثال، والتي ستؤدي بالنتيجة إلى تخفيض قيمة القسط الشهري لذوي الدخل المحدود، أو أن يتم تخفيض سعر الفائدة المطبقة على هذه القروض إلى 5%، على أن تقوم وزارة المالية بدعم هذا الفرق كإعالة ومساعدة لذوي الدخل المحدود لتأمين المساكن الضرورية لهم.

ترجيح
ورجح كنعان ضرورة البدء بحل أولي وأساسي يدعم هذه المقترحات يتمثل برفع مستوى الرواتب والأجور، مشيراً إلى وجود العديد من الدراسات الصادرة في هذا المجال كدراسة صندوق النقد الدولي التي خلصت إلى تحديد مبلغ 90 ألفاً كحد أدنى “حد الكفاف” للرواتب والأجور في سورية، إلى جانب وجود العديد من الدراسات المقدمة من هيئات رسمية ونقابات كنقابة اتحاد العمال وهيئة تخطيط الدولة التي طالبت برفع الرواتب بنسبة 300% لتستطيع الأسرة السورية الاستفادة من القروض، أو ترميم المساكن التي طالها الدمار وتعويض الخسائر التي لحقتها، إضافة إلى تأمين مستوى مقبول للمعيشة.
فاتن شنان